12 ديسمبر 2009

حلم يتحقق

حلم يتحقق بالأمس كانت البؤجة الجديدة ، لا أذكر كم كان رقمها بين عدد المرات التي اجتمع بها المدونون ليقدموا شيئا (البؤجة الأولى ، البؤجة الثانية) . يقدموا لمن ؟ لله ، لمصر ، لأنفسهم ، أو لهم جميعا . كل حسب نيته . (أقرأ التغطية التفصيلية في روح قلب ماما)

الحقيقة أن التجمع في حد ذاته مطلوبا ، أن يشعر كل منا أن لديه ما يقدمه للآخرين ، و أن ما يقدمه يصنع فارقا بالفعل .

أحيانا ما أسأل نفسي ، هل يمكن أن يتغير واقعنا إذا قدم كل منا ما يستطيع ليساعد غيره ؟ أعتقد هذا .

على هامش البؤجة دارت بعض المناقشات حول العمل التطوعي ، و عن دور المتطوعين ، عن الأنشطة التكافلية ، في مقابل المشاريع التنموية ، و عن دور الجهات الرسمية .

و قبل أن أستطرد أريد من يقرأ هذه السطور أن يعيش في أجواء العمل التطوعي ، أن يعرف أن مشاكل بلادنا ليست في الغذاء و الكساء فحسب ، و أن يسأل نفسه هل أنا مسئول بشكل أو بآخر عن تغيير الأوضاع الحالية ؟

أرجو أن تشاهد الفيديو التالي ، و الذي يتناول حقيقة الوضع كما يرويه بعض من عاشوا تجربة العمل التطوعي في مصر خلال السنوات السابقة ..

الحقيقة أن كل الجهود الخيرية مفيدة ، و مع ذلك فإن المشاريع التنموية تظل الأبقى ، و إن كانت الأصعب ، و تتطلب وعيا فاعلا ، فعلى سبيل المثال فإن محو أمية شاب و تعليمه حرفة قد يستلزمان مجهودا شخصيا من المتطوع ، بالإضافة لنفقات عديدة ، و وقت طويل نسبيا ، في مقابل التبرع المباشر بالمال أو الغذاء أو الكساء لنفس الشخص .

أتمنى أن أرى اليوم الذي تتضافر فيه الجهود الخيرية لتصنع مستقبلا مختلفا لبلادنا ، و لا تكتفي بأضعف الإيمان من فضل الوقت و المال .

ربما كانت أعداد المتطوعين قليلة اليوم ، و لكن الوجوه الواعدة التي أراها في مثل يوم البؤجة تنبئ بمستقبل أفضل ، و على أيدينا نحن .

و ماذا الآن؟ شارك في تحقيق حلم إسطبل عنتر

إهداء

أود أن أهدي هذا الموضوع لكل من وهب عمره أو جزء منه لتحقيق بعض أحلام هذا الوطن ، لن أذكر أسماء محددة من الأسماء الكثيرة التي أعرفها ، و لكنني أشكركم لأنكم ضربتم المثال حقيقي في حب الوطن ، ليس بالأغاني ، أو لعب الكرة ، أو العزف على أوتار استرضاء الجماهير ، و بالتأكيد ليس ببيع الأوهام للناس ، و إنما عن الطريق العمل في سبيل وطن أفضل .

05 ديسمبر 2009

رسالة شخصية

رسالة شخصية في زمن ما قبل الإنترنت كانت الرسالة شيء ملموس ، له وزن و أبعاد فراغية ، و كان الحصول على رسالة مرسلة من شخص آخر يعني الكثير ، منها أنه شخص بعيد في المكان ، أي لا يمكن رؤيته ، و أن لديه شيء ما يريد أن يقوله ، و الأهم أن هذه الرسالة شخصية ، أي تخص الراسل و المرسل إليه فقط .

يمكن القول أن الرسالة كانت تحمل الكثير ، فبالإضافة للمحتوى المكتوب ، يمكنك الاقتراب من الغائب ، فخطه ، و رائحة أوراقه ، و بقع حبره ، بل و أخطائه و تصويباته ، كلها تكوّن الرسالة ، و لا أستغرب عندما أرى من يفتح رسائل قديمة ليستعيد ذكرى شخص ما يفتقده ، فالرسالة تحمل جزءا حقيقيا من كاتبها .

بالإضافة لهذا كله كانت الرسالة تتطلب وقتا و مجهودا و مالا ، و قبل هذا كله كانت تتطلب قرارا ، قد ينفذ في الحال ، و قد يتأخر شهورا .

أنا أظن أن هناك من تدمع عيناه الآن و هو يتذكر رسائل شخصية من هذا النوع .

رسالة غير شخصية

في عصر البريد الإلكتروني تبدل الحال كثيرا ، فإرسال الرسالة مجاني و لا يتطلب أدنى مجهود ، و وصولها فوري ، و احتمالات ضياعها ضئيلة للغاية ، كما أن الرد متوقع في أية لحظة .

لا أبالغ إذا قلت أن هذا أفقد الرسالة الكثير من قيمتها ، أفقدها التلهف عليها و انتظارها ، و أفقدها الجانب الشخصي أكثر من أي شيء آخر ، و لا يبقى إلا المحتوى المكتوب وحده الذي يمثل القيمة الحقيقية للرسالة .

و لكن لم يكن هذا هو التغيير الوحيد ، فالرسالة الإلكترونية الواحدة يمكن إرسالها للكثيرين في نفس الوقت ، اختلف الأسلوب مع الزمن ، و لكن سواء كان هذا عن طريق وضع مجموعة من العناوين ، أو عن طريق القوائم البريدية ، أو المجموعات ، أو الاشتراك في تحديثات المنتديات ، إلخ ، و بغض النظر عن اختلاف الأسلوب فالنتيجة كانت فقدان الرسالة لجانب آخر من شخصيتها ، و هو أن ترسل لشخص محدد ، فالرسالة التي تصلك لم تكتب لك أنت ، و لكنها موجهة إلى مجموعة أنت أحد أفرادها .

رسالة غير شخصية التطور الآخر هو تمرير الرسائل ، فمع كثرة ما يمكن قراءته و كتابته كان تمرير الرسائل هو الحل الأفضل ، و إن كان ذلك أيضا سبب لفقد الرسالة لجانب آخر من شخصيتها ، فالمرسل ليس كاتب الرسالة ، و المستقبل لم توجه له الرسالة الأصلية !

You’ve got mail

عند هذا الحد أتأمل صندوق بريدي ، ففرحتي القديمة بالحصول على رسالة لم تعد كما كانت ، بل أصبح صندوق البريد همّا يوميا ، و أصبح المعتاد ألا أقرأ مئات الرسائل التي تصل إليّ ، فالقليل منها كتبها المرسل ، و نادرا ما يكون قد كتبها لي أنا !

و لذلك أصبحت مهمة تفقد صندوق البريد تشبه عملية الصيد ، أو على وجه الدقة أقرب إلى التنقيب ، لأنك تجد الكثير من الأشياء الجميلة و المفيدة و المسلية ، و لكن القليل منها هو ما يخصك حقا .

مازلت أفرح عندما أتلقى رسالة تخاطبني باسمي و تطالبني برد ! مازلت أبحث عن رسالة شخصية .

و ماذا عنك أنت ؟ هل أنت أكثر حظا مني و تتلقى الكثير من الرسائل الشخصية ؟


* اللوحة للفنان محمد حجي


أصداء رسالة شخصية:

22 نوفمبر 2009

متى نتحمل مسؤولياتنا ؟

متى نتحمل مسؤولياتنا ؟ المباراة الفاصلة

وجدني أحد الأصدقاء أعمل حتى وقت متأخر يوم المباراة الفاصلة ، فبينما خلت معظم المكاتب في وقت مبكر جدا نسبيا وجدتها أنا فرصة للتركيز فيما يقتتل الناس للتمركز المبكر أمام الشاشات بأنواعها : الصغيرة منها و العملاقة .

قال صديقي : مش تلحق تروح تشجع المنتخب ؟

قلت له : حانزل قبل الماتش بحاجة بسيطة ، أو حتى مع بدايته ..

قال لي : معقول ؟ انت مش وطني ولا إيه ؟

فقلت ضاحكا : أنا أحمد الله انه عافاني من حاجتين : إدمان السجائر ، و تعصب الكرة !

أما الوطنية بالنسبة لي فمجالها مختلف ، و لم أجد غضاضة قبل مباراة القاهرة أن أقول أن وصول أي من الفريقين لكأس العالم يستوي عندي ، و أنني أحب الجزائر حقا ، هي جزء من بلادي ، و شعبها أهلي .

مرحلة اللاعودة

لا أخفي أن تصاعد الأحداث من الجانبين بدا لي مدهشا بحق ، أنا أعرف جيدا عصبية لقاءات فرق شمال أفريقيا في كرة القدم ، و مع ذلك لاحظت مبالغات إعلامية لا مثيل لها من قبل ، مبالغات لا يمكن أن تكون عفوية ، و تنذر بعواقب وخيمة ، بغض النظر عن نتائج المباريات .

و في النهاية وصلت الأمور لمرحلة اللاعودة ، و أصابني حزن عميق لما أرى و أسمع من الجميع على الجانبين ، و أعترف بإحساسي بخيبة الأمل ، و إن لم أندهش لإمكانية حدوث هذه النوبة الهستيرية من شعوبنا (كما وصفها د. جلال أمين) ، و لكن صدمت في ردود أفعال النخب إلا من رحم ربي .

ماذا أقول؟

فكرت قبل المباراة الأولى في الكتابة عن الجزائر و إحساسي بها ، و ماذا تمثله لي بلدا و شعبا ، فإذا بي أقرأ المقالات الجميلة هل حقا يكره الجزائريون مصر والمصريين؟!! ، و فى حب مصر والجزائر

تمنيت بعدها أن أجد تجميعا للمقالات التي تتناول الموضوع من زاوية عقلانية ، و وجدت أن إسكندراني مصري قام بمجهود رائع في هذا الصدد ، من خلال مجموعة موضوعات متتالية : 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، 6 ، 7 .

بحثت في وسط كم مهول من الأغاني الوطنية التي تحولت بفعل فاعل من أغاني حماسية حربية إلى أجهزة شحن عاطفي تقنع الجماهير أن نتيجة مباراة كرة قدم هي "نصر" و ليست "فوز" ، بحثت فيما يذاع و يؤلف و يبث عن صوت للتعقل فلم أجد إلا محاولة من أحمد مكي في أغنية فوقو ، و لم يسمح بالإذاعتها على أية قناة معروفة على حد علمي المتواضع في هذا المجال .

و الآن و بعد الأحداث الأخيرة فكرت في أن أتحدث عن إحساس المصري العادي بما يحدث ، أو عن نظرية المؤامرة التي تريد أن توقع العداوة و البغضاء بين أبناء الأمة ، أو عن فقه الفتنة ، أو عن الدور المشبوه لرموز الإعلام المصري خيبهم الله في الشحن الجماهيري ، و غير ذلك الكثير ، و لكنني وجدت الكثير من الآراء المستنيرة ، أشكر أصحابها ، و أضعها هنا تقديرا لها :

متى نتحمل مسؤولياتنا ؟

و في النهاية لم يبق لي سوى أن أتساءل ، يبدو أن انجرافنا وراء الإعلام كان بحثا عن سعادة مزيفة و عن انجاز سهل المنال ، فلماذا نضع سعادتنا و مقدراتنا بين أقدام بعض اللاعبين ، بينما يمكننا أن نحققها بأيدينا و في قلوبنا ؟

متى نتحمل مسؤولياتنا ؟

...

كل عام و أنتم بخير ، نحن مازلنا في الأشهر الحرم ، التي بدء القتال فيها من الكبائر ، و نعيش أفضل عشرة أيام في السنة ، و أتمنى أن يكون ذكرنا لله فيها كذكرنا لكرة القدم أو أشد ذكرا ، و لا حول و لا قوة إلا بالله .

* اللوحة للفنان محمد حجي

31 أكتوبر 2009

الاتجاه الصحيح

كنت أجلس منذ أيام قليلة مع صديقي الذي أسلم حديثا .

الاتجاه الصحيح لم يكن الله قد أنعم عليه بنعمة أن يولد لأهل مسلمين ، و لا أن يتكلم أو يفهم اللغة العربية كأهلها ، و لا أن يتاح له أن يقرأ أو يسمع الكثير مما يرشده في طريقه و يذكره دائما ، و مع ذلك فقد أنعم الله عليه بنعمة البصيرة ، و القدرة على البحث عن الحقيقة .

الشهادة

كان قد قرأ خلال عدة سنوات عن الإسلام ، بل و دفعته الأسئلة ليبحث في دينه القديم عن إجابات ، لم يكن مجتمعه يرحب بهذا التحول ، و لكن هكذا استمر حتى وجد نفسه ينطق بالشهادتين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، و أشهد أن محمدا رسول الله .

سألت نفسي : و كيف "شهد" بالوحدانية لله تعالى و بالرسالة لمحمد صلى الله عليه و سلم و لم يرهما ؟ كيف توصل إلى هذه الحقيقة الغالية ؟ و كيف لا يتوصل بعض المسلمين إلى حقيقة هذه الشهادة ؟ و هل يمكن أن يصبح كل المسلمين أو جلهم على هذه الدرجة من الفهم و الاقتناع ؟

قدمت لنا زوجته الطعام ، لم تسلم بعد ، و لكن طعامها حل لنا .

الاتجاه المعاكس

استطاع صديقي بتوفيق من الله أن يتعلم أساسيات الإسلام ، يستطيع أيضا أن يقرأ القرآن ، و لكنه لا يفهم إلا الترجمة ، يقابل العديد من المسلمين ، و يتمنى أن يتواصل معهم بشكل أكبر ، و لكن تقف اللغة حاجزا ، و لذلك قرر أن يتعلم اللغة العربية بشكل كامل ، و لكن عليه أولا أن يخطط لهذا بما يحمله من سفر و وقت و مجهود و تكاليف .

ودعته قبل سفره بساعات ، و نزلت إلى الطريق ، أرى مصر مزدحمة ، الكثير من الناس يسيرون في اتجاه ، و في الناحية الأخرى أرى صديقي و غيره يسيرون في الاتجاه المعاكس . أم ترانا نحن الذين نسير في الاتجاه المعاكس ؟

متى نحل أزمة السير في بلادنا ؟ متى نتعلم الاتجاه الصحيح ؟ متى نحترم الإنسان و نصبح أصحاب حضارة من جديد ؟

ماذا سيكتب عني ؟

كنت أفكر فيما يفعله صديقي بعد عودته لبلاده ، ترى ما الانطباع الذي تركته و غيري من المسلمين لديه ؟ ترى لو جلس ليكتب مقالا يقول فيه :

كنت أجلس منذ أيام قليلة مع صديقي الذي ولد مسلما .

ترى ماذا سيكتب عني ؟ ترى ماذا يقال عنا الآن ؟

 

* اللوحة للفنان محمد حجي

 

* توفي إلى رحمة الله الدكتور مصطفى محمود صباح اليوم السبت 31 أكتوبر ، بعد ثلاثة أسابيع من موضوع مصطفى محمود و لغز الحياة . إنا لله و إنا إليه راجعون ، لم يتم تكريم الدكتور في حياته ، و أسأل الله تعالى أن يكون تكريمه في الفردوس الأعلى ، و أن نستثمر علمه بالشكل الأمثل ليكون صدقة جارية له بعد وفاته .

25 أكتوبر 2009

الباحث عن الحقيقة

الباحث عن الحقيقة كان يقضي أيامه مشغولا كعادة البشر بالواقع المألوف ، فمن بحث عن عمل ، إلى بحث عن زوجة ، إلى بحث عن سكن .

كان يقضي حياته بعيدا عما يريد حقا ، كان يحتاج إلى البحث عن ذاته .

لم يقتنع يوما أنه إنسانا عاديا مثل ملايين البشر ، فبرغم ظروفه العادية سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو غيرها ، إلا أنه دائما ما حسب نفسه مختلفا ، كان يعتبر نفسه باحثا عن الحقيقة .

كانت عادته أن يفكر في أصل الأشياء ، يبحث عن الأسباب و الدوافع ، لا يقتنع بالتفسير المألوف لواقع الحال ، كانت النظرة الخبيرة لكبار السن تثيره ، و النظريات العلمية تربكه ، و الأساطير و الموروثات بعيدة عن الواقع ، و كلمات الدين لا تسعفه ، بل و حتى تأملاته الخاصة لا تصمد لتغير الظروف و المواقف ، فيعود لينقض غزله من بعد قوة .

...

تمثل له الخلاص عندما استطاع الحصول على مصدر رزق يمنحه حريته المالية ، و بالتالي يساعده على أن يستقل في حياته ، كان يراسل المجلات و الدوريات لنشر أبحاث و مقالات مترجمة ، و كان يجتهد في العمل عندما يحتاج إلى المال ، و يتوقف أو يتلكأ عندما تقل حاجته للمال ، و هكذا بدأ البحث الحقيقي عما يقلقه .

قرأ كل شيء ، اجتهد في البحث في الكتب عن اجابات الأسئلة الكبرى ، آمن أنه يستطيع معرفة أصل الحياة ، من أين جاء الإنسان ، و إلى أين يذهب ، ما سبب آلام الناس ، و ما حكمة العذاب ، و هل من سبيل لرؤية الغيبيات ، و ما هو أصل الأديان ، و ما أسباب اختلافها ، و كيف يفسر التاريخ ، و إلى أين ستؤل الأمور ، و كيف يكتشف ما هو آت ، و ملايين الأسئلة التي تبدأ لتدور و تفضي إلى بعضها البعض ، ثم تتحول إلى دوامة كبيرة .

جرب الفلسفة ، و قرأ في الدين ، و تابع آراء مفكرين ، و قرر ألا يثق إلا فيما يصل إليه بعقله ، و أن يختبر ما يتعلم حتى يصل إلى الحقيقة ، و هكذا وجد نفسه محاطا بأفكار و كلمات بلا حصر ، و محاصرا بأوراق عتيقة و حديثة ، متأرجحا ما بين الطلاسم و العلم ، و أخذ يخط ما يصل إليه من خلاصات و تجارب على مدى السنين .

...

يد الحقيقة تغير حاله مع الوقت ، ففقره يتزايد ، و انعزاله عن الناس جعله ينفصل عن الواقع اليومي ، و مع ذلك لم يكن هذا كله ما يقلقه ، و لكنها الحقيقة التي يبحث عنها ، و التي أخذت تبدو كمعنى مراوغ ، فبرغم تسويده لآلاف الصفحات ، و التي يعتبرها خلاصة السنين ، و لكنه يدرك أن ما بها من الأسئلة أكثر من الأجوبة بمراحل ، و الأدهى أن الأسئلة كانت تزداد و تتعاظم ، و لا يوجد مؤشر يدل على قرب بلوغ أهدافه .

كان قد تعلم في خلال هذه الفترة الكثير مما يمكن أن يتعلمه من الكتب ، و ها هو يشك من جديد ، و ها هو يفكر - الآن - في أن يتخلى عن كل ما توصل إليه .

و في غمرة حيرته وجد نفسه يهيم في الشوارع مفكرا ، باحثا عن مخرج لورطته ، أخذ ينظر للناس في حقد ، إنه يؤمن أن أحدهم لا يرى أبعد من أنفه ، و مع ذلك يبدون و كأنهم متصالحين مع أنفسم و حياتهم برغم كل ما يكتنفها من غموض و أسئلة ، إنهم أقرب للبهائم التي تعيش أيامها بلا تفكير ، و لكنهم على الأقل يمتلكون الحياة ، و هو الآن يفتقدها ، فهل الخطأ في الأسئلة أم في المنهج ؟

...

نار الحقيقة جلس بين يدي الشيخ و قد أعيته الحيله ، بعدما أعياه المشوار ، تساءل في كلمات قليلة و طلب النصيحة ، فقال الشيخ :

- و هل ما زلت تبحث عن الحقيقة ؟

- بل إنني على استعداد للموت في سبيلها .

- و هل أنت على استعداد لتقبل النصيحة ، حتى و لو كانت تعني أنك قد سلكت الطريق الخطأ ؟

- إن قلبي يخشى الألم ، و لكن نعم ، فهل لديك القدرة لتعلمني ؟

- لن أعلمك شيئا ، فأنت تعرف كل ما تحتاج إليه بالفعل ، و لكنني سأدلك فقط إلى الطريق .

- و ما هو ؟

- يا بني إن ما تبحث عنه لن تجده في أي كتاب ، ليس لأن أحدا لم يبحث عنه من قبل ، و لكن لأن للعقل حدود ، كما أن للعلم حدود .

- هل تعني أنه لا سبيل لمعرفة الحقيقة ؟ ألم تقل أنك ستدلني إلى الطريق ؟!

- دعني أسألك أنا ، كيف ستستخدم ما تعلمت لخدمة الناس ؟

- و من قال أن هذا ممكنا ؟ أنا حتى لا أعرف ما الذي سأصل إليه .

- يا بني لا قيمة للعلم بدون عمل ، و لا قيمة للعمل بدون هدف ، و لا هدف بدون فهم للحقيقة .

- أنت تعود بي إذن إلى بداية المشوار .

- أنت لم تفهم ، إن الرحلة نفسها هي المنتهى .

ما قيمة المعرفة التي لا تترجم إلى حياة ، و التي لا تتحول إلى تغيير في حياة الناس ؟ ما قيمة الصلاة التي لا تنهى عن المنكر ؟ و ما قيمة الحقيقة ذاتها إذا كانت لا تفضي إلى واقع أفضل ؟

إن روعة الحياة في أن تحياها ، في أن تؤثر فيمن حولك لتترك أثرا له معنى ، في أن تكون عامل إصلاح و بناء ، لا عامل هدم أو إفساد .

إن الدين يجيب على الأسئلة الكبرى التي تبحث عنها ، و لكن من خلال تربية الإنسان على أن يكون هو الإجابة الصحيحة .

...

سار صاحبنا يتلمس سبيل العودة .

و هكذا وجد نفسه يبدأ البحث من جديد .

 

* اللوحة للفنان محمد حجي

17 أكتوبر 2009

من أين تأتي الأفكار ؟

من أين تأتي الأفكار ؟ كثيرا ما يتعرض الكتّاب للسؤال عن كيفية حصولهم على أفكار جديدة ، و كذلك يحدث مع الموسيقيين و الرسامين و المصممين أو حتى القادة العظام ، و غيرهم من المبدعين ، و يظل السؤال بلا إجابات واضحة ، و يظل "الإبداع" أو الحصول على أفكار جديدة هو مصدر الاعجاب الأساسي بالمبدعين ، ربما لأن الآخرون يرون في هذه الموهبة شيء يفتقدونه في أنفسهم .

و من المثير للاهتمام أن أفكار المبدعين كثيرا ما لا تختلف عن أفكار معظم الناس ! و لكن الذي يميز هؤلاء المبدعين هو قدرتهم على الثقة في أفكارهم ، و الثقة في أنهم يستطيعون تحقيقها ، و هذا يتطلب على الأقل معرفة توفر المهارات اللازمة لديهم للاستفادة من الأفكار البسيطة ، و تحويلها إلى شيء له معنى ، ثم العمل على هذه الأفكار لاستثمارها .

أما بقية الناس فهم يرفضون العمل على تطوير هذه الأفكار و الاستفادة منها ، رغم أن هناك الكثير جدا من المجتهدين في كل مجال ، و الذي يتميزون فيه إلى درجة الإبداع ، رغم أنهم في حقيقة الأمر لا يتمتعون بقدرات إبداعية خاصة ، و إنما لديهم فقط المهارات الكافية لتطوير أفكارهم .

و هكذا فالفرق الأساسي بين المبدعين و غيرهم هو الإصرار على التعامل مع الأفكار ، و تطويرها ، و تطوير النفس ، و ترك فكرة عدم القدرة على الإبداع أو مجرد تفضيل الخلود إلى الراحة .

مصادر الأفكار

هناك مدرستين حول مصادر الأفكار :

1 – الإلهام : هذه المدرسة تصور الفنان كهوائي الراديو الذي يبحث عن الأفكار في الأثير ، ينتظر فقط اللحظة المناسبة و الإشارة القوية التي ينتج عنها التقاط شيء جديد ، و يرتبط به كل ما يقال عن شيطان الشعر ، و الاستيقاظ من النوم للتأليف في ساعات الليل الأخيرة ، و الحاجة إلى الحالة الشعورية المناسبة للحصول على الفكرة الجديدة .

2 – العمل : المدرسة الثانية ترى أن الأفكار هي نتاج عمل شاق وتفكير مركز ، فبوجود الأدوات اللازمة و الوقت المخصص و التركيز على هدف محدد يمكن الحصول على أفكار جديدة يوميا ، كما كان يفعل الأديب الراحل نجيب محفوظ ، و هكذا تأتي الأفكار عن طريق العمل .

و الأرجح أن الواقع هو مزيج من العاملين ، إن الأفكار تأتي من النشاط الفاعل للإنسان مع العالم من حوله ، عن طريق الانتباه الواعي ، و الفضول ، و بذل المجهود ، و الاستفادة مما يصادفه في حياته .

الإعداد

تأتي الأفكار لمن كان مستعدا لتلقيها ، بغض النظر عن مصدر هذه الأفكار ، فالعلماء تأتيهم أفكار علمية ، و لا يفاجأون بكلمات قصيدة شعرية ، و الموسيقيين يحولون ما يفكرون فيه إلى أنغام ، و الكتاب المهرة يخلقون القصص الجميلة ، بينما لا يجد أفكارا جديدة من لم يعد نفسه لها سواء بالدراسة أو العمل أو متابعة ما يبدعه الآخرون .

الانتباه

مراقبة العالم من حولنا ، ما بين ما يحدث في الشارع إلى ما نراه في عناوين الأخبار ، كلها مصادر للأفكار ، فالحاجة أم الاختراع ، و لكن يجب أن ينتبه المخترع أولا إلى الحاجة إلى إختراعه .

الفضول

غالبا ما يأتي الإبداع من الدافع لفهم الأشياء و تحليلها ، إنه نابع من الرغبة في معرفة المآلات ، و متابعة التساؤل حتى الوصول إلى أفكار جديدة لم تطرح من قبل ، أو بنفس الطريقة .

المجهود

سواء كنت تتبع أي من المدرستين ، فالإبداع يتطلب بذل المجهود ، فالأفكار متاحة ، و لكن التنفيذ يتطلب تطوير الأفكار ، و متابعتها ، و وضع خطة لتنفيذها ، و إلا فإن الأفكار ترجع من حيث أتت ، و نادرا ما تعود ثانية .

الصدفة

و هي مزيج من عاملين ، الأول هو وجودك أنت بالذات في المكان و الوقت الصحيحين ، و الثاني هو قدرتك على ربط الأشياء بشكل جديد ، فمثلا خدمت التفاحة نيوتن عندما سقطت في المكان و الوقت الصحيحين ، كما أنه استطاع أن يربط بين التفاحة و الفيزياء ، أي شخص آخر كان ليأكلها قبل أن يفكر !

و هكذا يجب على هذه العوامل أن تتفاعل معا لتنتج الأفكار ، و هي كما تلاحظ ممكنة التوظيف من قبل أي إنسان ، فليست متعلقة بموهبة حباها الله لعدد قليل من عباده ، و إنما يمكن عدها بعضا من نعم الله علينا جميعا ، و هي لا تنطبق فقط على المبدعين من الفنانين ، و إنما أيضا على القادة و المهندسين و المعلمين و الإداريين و البائعين و العمال ، بل و على كل من قد يتعرض لمواقف تتطلب حلولا إبداعية ، و لكنه قد يفتقد الاستعداد و الانتباه و الفضول و المجهود اللازمين .

ابدأ الآن في تطوير هذه العوامل ، و سوف تجد أنك قد بدأت بالفعل في التفاعل مع العالم من حولك بشكل أفضل ، و في وقت قصير .

* المقال مستوحى من مجموعة قراءات

* اللوحة للفنان محمد حجي

10 أكتوبر 2009

مصطفى محمود و لغز الحياة

مصطفى محمود نشأت في بيت به مكتبة كبيرة ، في الواقع كانت هناك أكثر من مكتبة واحدة ، و كانت الكتب الكثيرة تغريني منذ طفولتي أن أحاول أن أقرأ ما تيسر لي منها ، فكنت أكتشف في كل مرحلة كتب جديدة ، تلك الكتب التي أصبحت في متناول عقلي .

كانت كتب الدكتور مصطفى محمود تحتل جانبا هاما من الكتب التي استكشفتها في سنين قراءتي الأولى ، و ظللت أحاول قراءتها سنين حتى تفتحت في عقلي الصغير بعضا من معانيها الكبيرة .

كان بعضها من كتبه الشهيرة مثل حوار مع صديقي الملحد ، و رحلتي من الشك إلى الإيمان ، و بعضها أقل شهرة و لكنه أكثر إلغازا و تعقيدا مثل رأيت الله ، و الوجود و العدم ، و لغز الموت ، و لغز الحياة ، و السر الأعظم .

عشت من خلال هذه الكتب مع شخصيات عجيبة مثل محمد بن عبد الجبار النفري ، و جلال الدين الرومي ، و ابن عطاء الله السكندري ، و غيرهم ، و قرأت نصوصا ملغزة من المواقف و المخاطبات ، و المثنوي المعنوي ، و الحكم العطائية ، و كانت هذه فاتحة لقراءتي الكثير من الكتب و لكثير من المؤلفين الكبار الذين تعرفت عليهم فقط من خلال كتب دكتور مصطفى محمود .

في وقت ما منذ نحو عشرين عاما قررت أنا و صديق لي – في ظل انبهارنا بكتابات الدكتور مصطفى محمود – قررنا أن نقرأ كل ما كتب ، و بالفعل بحثنا عن قائمة كتبه و جمعنا كل ما لدينا منها ، و وجدنا أنه ينقصنا أن نشتري نحو أربعين كتابا له ، و لأننا كنا طلبة و لم نملك المال الكافي اتفقنا على أن يشتري كل منا نصف هذه الكتب ، و أن نتبادلها فيما بيننا لنتمكن من قراءتها جميعا ، و ذلك على مدى نحو العامين ، و بالفعل استطعنا أن ننفذ هذا المشروع لنقرأ كتبا مثل القرآن محاولة لفهم عصري ، و الروح و الجسد ، و حقيقة البهائية ، و الشيطان يحكم ، و نقطة الغليان ، و غيرها الكثير ، فيما عدا عدد محدود من الكتب كانت ممنوعة من التداول في ذلك الحين مثل كتاب الله و الإنسان .

تعلمت من هذه الكتب الفكرة الفلسفية للنظرية النسبية لأينشتين ، قبل أن أدرس معادلاتها الهندسية بسنين ، و تعرفت على تفسير ماركس للتاريخ ، فقرأت عن الماركسية و نقدها ، و فهمت لماذا انبهر العلم بنظرية النشوء و الارتقاء ، رغم رفض الفطرة و الدين لمسألة اشتراك أصل الانسان مع الحيوان ، و انبهرت بنظرية الأحلام لدى فرويد ، و قارنتها بنظريات يونج و غيره ، و قارنتها بعلم النفس القرآني ، و تفسيره للنوم و الأحلام ، و رأيت قدرة الله في المخلوقات و التاريخ ، و "شعرت" بتفسير لآيات لم أكن أفهمها في القرآن من قبل أن "أقرأ" تفسيرها فيما بعد ، و تأثرت برؤية الإنسان يتأرجح ما بين أعلى مراتبه تارة و بين أدناها تارة أخرى .

برنامج العلم والايمان المقدمه الاصليه ناي محمود عفت
تزامن هذا كله مع برنامج الدكتور مصطفى محمود الأشهر : العلم و الإيمان ، و كان له موعد ثابت يوم الإثنين من كل أسبوع لا تستطيع نسيانه لأن صوت الناي الحزين كان ينبعث في نفس الميعاد من جميع البيوت المحيطة ، فقد كان فقرة أسبوعية ثابتة و مميزة في ذلك الحين .

يرتبط الدكتور مصطفى محمود أيضا في ذاكرتي بصلاة العيد في ساحة مسجد محمود بالمهندسين ، و كانت نقطة تجمع شهيرة ، و أذكر بعض خطب الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله في تلك المناسبة ، كما أذكر الصلاة ليلا خلف القارئ الشيخ محمد جبريل فيما بعد في نفس المسجد .

عندما أتذكر ذلك كله ، لا أستطيع أن أقدر حجم التأثير الذي ساهم به الدكتور مصطفى محمود في تكويني أنا و أمثالي من أبناء جيلي و أجيال أخرى في مصر و غيرها من البلاد ، لا أتمكن من حصر المجهود الذي قام به في مجالات الفكر و العلم و الثقافة و الفن و الخدمات العامة ، لا أتخيل كيف يمكن التعبير عن جميل هذا الإنسان على قراءه و محبيه – فضلا عن رد هذا الجميل ، و ذلك بغض النظر عن اتفاقي أو عدمه مع أي مما عرض من آراء و أفكار .

في نفس الوقت يؤلمني أن يحتضر الدكتور مصطفى محمود في ظل غياب إعلامي (فيما عدا عدد خاص لمجلة الجزيرة الثقافية قبل عام) و رسمي بل و شعبي ، هل هو نكران للجميل أم جهل ؟ عندما يرفض المسئولون المهرولون لخدمة الراقصين و التافهين مد يد المساعدة له أشعر أن خدمته شرف لهم لا يستحقونه ، و لكنه واجب على كل من يحبه .

فهل أطمع أن يكون تكريمه شعبيا بعد أن حرم من تقدير الدول و النخب ؟ هل كثير عليه أن يموت وسط ذكر أحبابه له ؟ هل يكثر على أمثاله أن يدعو له كل من تعلم منه حرفا ، أو أن يتبع جنازته عند وقوع قضاء الله ؟ أسأل الله أن يشفيه و يغفر له ، و أتمنى أن أرى حملة أقلام تذكره و تذكر الناس به ، فالجحود سمة البخلاء .

إن كنت تملك مدونة و قراءا فاكتب عنه بعض الأسطر ..

و إن كانت لديك قائمة بريدية فأرسل لأصدقائك شيئا من أخباره ، أو مقالا تحدث عنه ..

و إن كنت قد قرأت له أو رأيت برنامجه فادعو له ، أو قم بزيارته ..

و لا تكن ناكر للجميل كمن يوزعون الجوائز الملوثة فقط على محترفي صيد الجوائز .

جروبات الدكتور مصطفى محمود على الفيس بوك :

جروب 1 ، جروب 2 ، جروب 3 ، صفحة 1 ، صفحة 2 ، صفحة 3


** تحديث : توفي إلى رحمة الله الدكتور مصطفى محمود صباح اليوم السبت 31 أكتوبر ، إنا لله و إنا إليه راجعون ، أسأل الله تعالى أن يكون تكريمه في الفردوس الأعلى ، و أن يستثمر الناس علمه بالشكل الأمثل ليكون صدقة جارية له بعد وفاته .

03 أكتوبر 2009

سقوط الأقنعة

قلت لصديقي أثناء خروجنا من أحد بوابات الحرم المكي : لقد اكتشفت أن رحلة الهجرة إلى الله متمثلة في الحج أو العمرة تدفع الإنسان دفعا ليكتشف حقائق الحياة ، و لتسقط من أمام عينيه جميع الأقنعة .

قال صديقي : إن الحج رحلة فريدة ، فهي رحلة إلى الله ، يكون الإنسان فيها في قمة السمو الروحي و الأخلاقي ، و هو مؤتمر سنوي دعا إليه رب البشر ، فهو اجتماع في أشرف البقاع من أجل تحقيق أشرف الغايات ، و في أشرف الأوقات .

قلت له : إن الإنسان يشعر بشعور غريب و هو يعيد اكتشاف نفسه هنا ، و هو يتحرك بدافع غامض يخرجه من كل ما ألفه في حياته .

قال : إن هذا الشعور الغامض هو شعور حب و أمان ، أنت تشعر أنك خرجت لأن أحدا قد دعاك ، و أنه ينبغي عليك أن تذهب ، أنت لا ترى وجه الداعي أو تسمع صوته ، غير أنك واثق أنه قد دعاك ، و ينبغي أن تلبي .

إنه هوى في القلب لا يعرفه إلا من ذاقه ، يتحدث أهل الهوى عن الحب من أول مرة ، أما هذا فحب قبل المعاينة ، ترى هذا الهوى فرحا في وجه من وفقه الله فتحرك لأداء الشعيرة ، و تراه أيضا في دموع انحدرت على وجنتي من حيل بينه و بينها .

سقوط الأقنعةو انطلاقا من هذا الفهم رحت أرصد خلال رحلة العمرة هذه الأقنعة و هي تسقط أمام عينيّ الواحد تلو الآخر :

قناع البراءة

مع مرور الوقت بالإنسان يعتاد أخطاءه ، و يظن أن عيوبه و خطاياه صغيرة ، فيتشاغل عنها ، و يقنع نفسه بأنها بسيطة و يمكن علاجها حينما يريد ، و يعزي ما يقع فيه من مشاكل إلى الآخرين و الظروف متناسيا أنه غفل عن إصلاح نفسه في المقام الأول ، و هكذا يتحول إحساسه بالبراءة إلى مشكلة مزمنة لا حل لها .

قناع الاستقرار

هو الظن بأن الحياة ستظل دائما كما هي الآن ، فيرسم الإنسان صورة مستقبله بفرض امتداد جميع الخطوط على استقامتها ، و هو في هذا ينسى أن التغيير هو سنة في الحياة ، و أن الاستقرار ما هو إلا أمل زائف . و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا ، و ما تدري نفس بأي أرض تموت .

قناع الألفة

يظن كل إنسان أن ما ألفه في حياته هو الصحيح ، و يعيش يرتب خططه حسب هذه الألفة ، بل و يتوقع من الآخرين أن يتحركوا وفقا لمعاييره الخاصة ، و يستنكر أن يرى سلوكا أو قولا يخالف ما ألفه ، رغم أن اعتياد كل منا لما يعرفه لا يعني في الواقع كثيرا بالنسبة للآخرين .

قناع الأهمية

يعمي الإنسان الظن بأن ما يفعله لازم و ضروري لاستمرار الحياة ، بل و يعتقد أن رزقه و رزق الآخرين متوقف على مجهوده ، كذلك يعتقد بأن غيابه عن محيط عمله أو أسرته أو أصدقائه سوف يتسبب في شلل الحياة ، ثم يفاجأ بأن الحياة تستمر في حال وجوده كما في حال غيابه ، فيفقد إحساسه بالأهمية معناه .

قناع السببية

إن الظن بأن الأسباب الظاهرة هي ما يحرك الأحداث يجعل الإنسان ينسى مسبب الأسباب ، رغم أن كل منا قد رأى في حياته ما يثبت أن الدواء في ذاته لا يشفي ، و أن المال لا يغني ، و أن أسباب السعادة قد تشقي ، بل أننا عندما تنقطع بنا الأسباب نلجأ لمن ينجينا بلا أسباب ، و رغم ذلك كله يمنعنا قناع السببية من استخدام التوكل بشقيه الأخذ بالأسباب و الطلب من الله .

قناع القرب

قد يرتبط الظن بقرب و بعد الأشخاص بمقدار التعامل اليومي معهم ، و ذلك بالرغم من أن الحب قد ينشأ بين من تمتد بينهم المسافات ، و لا يلتقون إلا بعد سنوات ، إلا أن اختبار البعد المادي يجعل الإنسان يعرف فعلا من يحبه في مصلحه ، و من يحبه في الله .

قناع الفهم

إن الظن بأنك تفهم ما يدور حولك بغض النظر عن التفكر في السنن الكونية التي تحكم العالم هو تفكير قاصر ، و يمكن لكل منا أن يضع التصورات و الأفكار الخاصة به لفهم تطور الأحداث و تحرك الأشخاص و تغير العلاقات ، إلا أنه يجب أن يفهم أيضا أن فهمه يظل قاصرا ما لم يحط بسنن الله في الأفراد و المجتمعات و التاريخ .

و بعد ، أجد هذه الأقنعة و غيرها تفرض نفسها مع كل غفلة و نسيان ، أجدها تفسد على الناس حياتهم ، و كلما اكتشفت أحدها على عينيّ أرى الدنيا من خلاله أحاول أن أتذكر رحلة سقوط الأقنعة ، و أحاول أن أعود من رحلتي بلا أقنعة .

 

* اللوحة للفنان محمد حجي

26 سبتمبر 2009

عودة

عودة صحوة مفاجئة تمر بي ، أتفحص في الوجوه المحيطة ، لأجدني أفتقد الحقيقة .

كان وعيي يتشكل ببطء و أنا أنتقل من منطقة الأحلام الرمادية إلى ملامح الحياة بألوانها ، باهتة كانت أم زاهية ، رحت أتطلع بشوق إلى وجوه أفتقدها ، لم تكن العودة مجرد صحوة من النوم ، و إنما كانت انبعاثا إلى حياة .

مرت الشهور بعيدا عن رحايا العمر ، افتقدت وجودي هنا ، و فكرت كثيرا في العودة ، و لكن الوقت المناسب لم يجئ بسرعة ، و أقلقتني فكرة تعقد الحياة بشكل لا يسمح لنا أحيانا بممارسة ما قد نعتبره حقا لنا أو للآخرين ، أو واجبا علينا أو على الآخرين .

...

ماذا كنت أفعل ؟ عمل و سفر و فرح و موت و ميلاد .. و هل يمكن تلخيص الحياة ؟

و على كل فإن بعض الأحداث لا يمكنني أن أغفل ذكرها :

  • كانت العمرة رحلة هامة و جميلة ، حملت من الهبات و النعم ما يفوق إدراكي ، فهمت خلالها بعض أقنعة الحياة ، و قابلت فيها أخا عزيزا و كريما من المملكة السعودية هو الأخ علي محمد .
  • ظننت دائما أنني سأشهد حفل توقيع أول كتاب لصديقي المهندس أحمد القاضي ، فإذا بالكتاب ينشر و ينتشر ، و أغيب أنا .
  • كانت زيارة أطفال أبو الريش و ذويهم مع المدونين واحة وسط صحراء البعد ، و امتزجت الفرحة بالخجل لأنني شعرت وسط المدونين أنني لم أبتعد أبدا .
  • حمل إلي رمضان وعدا متجددا بالرحمة و المغفرة ، و رحل و أنا مسرف لا أقنط من رحمة الله .
  • كانت التعليقات و الرسائل و المكالمات التي أتلقاها من وقت لآخر تحمل إلي نسائم رحايا العمر ، و تجعلني أسأل نفسي دائما عن موعد العودة .

جري الإنسان

أحيانا أنظر إلى نفسي و إلى الناس من حولي لأجدنا نجري في كل اتجاه ، كلنا نجري في اتجاهات مختلفة ، كل منا يحمل في يده أشياء مختلفة ، أو يدفعها أمامه ، أو يجرها خلفه ، أو يحملها فوق ظهره !

تتقاطع الدروب فنصطدم في الطريق و نسقط ، ثم نقوم لنجري و نتعب ، ثم نجلس لنرتاح ، و لا نرتضي الراحة فنقوم من جديد و نجري .

في الطريق نبحث عن الأحلام ، أو عن السعادة ، أو عن الحرية ، نبحث عما لا نعرفه ، و لكننا لا نرتاح طالما لم نجده بعد . يدق كل منا أبواب عديدة تقابله في الطريق ، ليفتح لنا أناس أغراب ، نتفحصهم و نبحث لديهم عما نريد ، و بمعرفتهم نكتشف أن الرحلة لم تنته ، و نبدأ البحث من جديد .

لا أحلام فرويد و لا قوة نيتشة و لا نسبية أينشتين و لا اقتصاد ماركس و لا أية نظرية إنسانية تفسر سر جري الإنسان المستمر ، بينما ترن في أذني كلمات " يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " ، و أتعجب من معنى الكدح ما بين التعب و الجهد و الكد و العمل و السعي و العودة ..

فما رأيك أنت ؟ لماذا يجري الإنسان ، و إلى أين ؟

 

* اللوحة للفنان محمد حجي

 

16 مايو 2009

مشروع العمر

اشتهرت العديد من الشخصيات التاريخية أو العامة المعاصرة بإنجازات محددة ، فعلى سبيل المثال محمد الفاتح هو صاحب الفتح الأسطوري للقسطنطينية و من ثم تحويلها لعاصمة الإسلام السياسية لقرون عدة ، و صلاح الدين الأيوبي لا يذكر إلا و تذكر معه القدس و تحريرها من استعمار الحروب الصليبية ، و الإمام أبو حامد الغزالي هو مجدد الدين في القرن الخامس الهجري .

و في التاريخ الحديث غاندي هو طارد الاستعمار البريطاني من الهند بالمقاومة السلمية ، و أحمد شوقي هو أمير الشعراء و أعظم شعراء العربية منذ أيام المتنبي و أبو العلاء ، و حسن البنا هو مؤسس حركة توحيد و تجديد إسلامية كان تأثيرها أكبر من دعوات السنوسي و الأفغاني و محمد عبده و غيرهم ، و عبد الرزاق السنهوري هو أشهر فقيه و دستوري وضع الدساتير و القانون المدني في العديد من الدول العربية .

و النماذج عديدة بلا حصر على مستويات و في مجالات مختلفة ، و لكن يجمع بينها جميعا أن الإنجاز الأساسي أو "مشروع العمر" لكل منها يتحول إلى بطاقة تعريف لصاحبه ، فيلازم اسمه ، و يحدد الحقيقة الباقية منه ، و سر وجوده في هذا العالم .

مشاريع

رأيت في حياتي من له مشروع عمر هو بناء بيت يسكن فيه مع أولاده ، و يبذل في سبيل ذلك الوقت و الجهد و المال ، ربما إلى الحد الذي يحرمه من رؤية أبناءه ، و هناك من مشروع عمره هو تعليم ابنه حتى يصبح طبيبا ، أو حتى يصبح أستاذا جامعيا ، و هناك من يعتبر أن مشروع العمر هو تزويج أبناءه و بناته .
...
رأيت من كان مشروعه هو رفع الظلم عن فئة بعينها ، حتى لو كان الثمن هو ظلم يقع عليه هو شخصيا ، و هناك من يتخذ من الفكر ميدانا فيكون مشروعه كتاب ينشره ، أو فكرة يعلمها للناس ، و هناك من يعيش حياته كلها ليبني مدرسة ، أو مستشفى ، أو مسجد ، أو محطة مياه ، أو جسر ، أو أكبر من ذلك أو أصغر .
...
رأيت أيضا من لا مشاريع لهم ! فإما أنهم يفتقدون
الهدف كليا فلا يبحثون عنه و لا يعملون من أجله ، و لا يشغل هذا بالهم على الإطلاق ، أو أنهم يعملون بلا نهاية في سبيل مال أو متعة أو شهرة أو سلطة لا تنتهي ، و لا غاية لهم إلا الاستمرار فيها ، كأنها فعلا لا تنتهي .
كما رأيت كثيرا ممن يبحثون في أنفسهم و فيما حولهم عن مشروع العمر ، فيقضون زمنا قصيرا أو طويلا لاكتشاف أنفسهم و اكتشاف مشاريعهم ، لكي يتمكنوا من بدء الحياة الحقيقية ، و بعضهم يحتفظ بها ك
مشاريع مؤجلة .
مشروع عمرك

و الآن هل تعرف من أي نوع أنت ؟ هل تعرف مشروع عمرك ، و هل تعرف من أنت في الحقيقة ؟
يمكنك أن تفكر الآن و لو للحظات في
حقيقة من تكون ، و كيف يمكن أن تحقق ذاتك من خلال مشروع عمرك . إن هذا السؤال قد يغير حياتك ، و لهذا فهو جدير بالإجابة ، و جدير بأن نشغل أنفسنا جميعا به .
فهل تعرف ما هو مشروع العمر ؟


* اللوحة للفنان محمد حجي

09 مايو 2009

دليل الكتب العربية على الإنترنت

دليل الكتب العربية على الإنترنت 1 لعلك من محبي الكتب و المكتبات و القراءة مثلي ، و أحيانا تجتهد في البحث عن كتاب معين فلا تجده ، أو تبحث عن كل ما كتب في موضوع معين ، فما رأيك في دليل لكل الكتب المجانية الموجودة على الإنترنت ؟

فيما يلي قائمة بكل المواقع التي أعرفها و التي تقدم خدمة تنزيل الكتب العربية مجانا Free Arabic Books Download ، و ستجد فيها كتب في مختلف المجالات : الدينية ، السياسية ، العلمية ، الثقافية ، الخ .

بالطبع لن تكتمل القائمة إلا إذا تفضلت و قلت لي : هل تعرف مواقع أخرى تقدم هذه الخدمة ؟

مكتبة دهشة

مجموعة ضخمة من الكتب و البحوث و الدراسات في مجالات مختلفة

بانوراما الفكر العربي

كتب في مجالات مختلفة مجانية و غير مجانية

مكتبة صيد الفوائد

مكتبة ممتازة خصوصا في الموضوعات الإسلامية و الدعوية

المكتبة الإلكترونية المجانية

بالإضافة للكتب الكثيرة توجد مكتبة فيديو ، صور ، مقالات ، صوتيات ، الخ

مكتبة الكتب العربية

كتب متنوعة في مجالات كثيرة

مكتبة الجليس

كتب مجانية كثيرة و مصنفة

تحف.كوم

مكتبة مجانية لكتب و مقالات في مختلف المجالات

مكتبة طريق الإسلام

مجموعة كبيرة من الكتب الإسلامية

المكتبة الوقفية للكتب المصورة

كتب في كل المجالات خاصة العلوم الشرعية و الإسلامية

مكتبة شبكة مشكاة الإسلامية

كتب إسلامية كثيرة و مصنفة

خزانة كتب الموسوعة الشاملة

كتب تراثية إسلامية

كتابي دوت كوم

كتب و أبحاث متنوعة

كتب موقع تعليم لكل العرب

كتب متخصصة في موضوعات البرمجة ، التصميم ، الشبكات ، الوسائط المتعددة ، الخ

الكتب المجانية بشبكة الكتب و البرامج المصرية egyptbooks

كتب أحمد حسن خميس عن الكمبيوتر و الإنترنت

مكتبة موقع كتب

كتب هندسية مختلفة

مكتبة نداء الإيمان

كتب إسلامية إلكترونية

مكتبة المصطفى الإلكترونية

داونلود سريع لكتب مختلفة خاصة عالم المعرفة و مخطوطات

كتب إلكترونية مدرسة المشاغبين

مجموعة محدودة من الكتب المتنوعة

المكتبة العربية

مدونة متخصصة في سلسلة كتب رجل المستحيل ، و بعض الكتب الأخرى

عالم الكتب عالمي

مدونة تعرض كتب حديثة ، و تتيح روابط لتنزيلها

دليل الكتب العربية على الإنترنت 2 أروع الكتب

مجموعة على الفيسبوك لتحميل و مشاركة الكثير من الكتب المختارة

مكتبة الكونجرس

مجموعة على الفيسبوك لتحميل و مشاركة الكثير من الكتب المختارة

المكتبة الإلكترونية

مجموعة على الفيسبوك لتجميع الكتب ، و البحث عن الكتب لأعضاء المجموعة

لم أضع في هذا الدليل قائمة المواقع التي تتيح خدمات البحث و الاطلاع و القراءة فقط (دون تنزيل) من الإنترنت ، و هي كثيرة أيضا .

لعل المشكلة الآن لم تعد في توفر الكتب ، و إنما في القدرة على قراءتها !

25 أبريل 2009

الخوف – أو رسالة إلى الدكتور رفعت إسماعيل

الخوف

كنت أفكر في الخوف و أنواعه ، و ألحت على ذهني أنواع بعينها من الخوف قد يعاني منها كل الناس ، و تخيلت أن السلوك العدائي لشخص ما قد يكون بسبب خوفه من التعرض لأذى ما ، فيحاول بعدائيته أن يدافع عن نفسه ، و عليه قد يكون السبيل لتجنب الدخول في دائرة الخوف-العدائية بإزالة أهم أسباب الخوف ، و لكن هل يمكن ذلك ؟

الخوف أو رسالة إلى الدكتور رفعت اسماعيل عند هذا الحد تذكرت رسالة كنت قد كتبتها منذ عدة سنوات – صدق أو لا تصدق – إلى الدكتور رفعت إسماعيل ! و هو – للقليل ممن لا يعرفه – أشهر شخصية مرتبطة بالرعب في العالم العربي .

لم أتلق ردا أبدا على تلك الرسالة ، و ربما يكون السبب في هذا هو طولها البالغ ، و ربما كان بسبب "عملية خرقاء لتهيئة القرص الصلب" !

على كل حال لا أجد بأسا من نشرها هنا بعد هذه السنين - بلا تعديل كما يلاحظ من الأسلوب ، و ربما أتاح هذا الفرصة للدكتور رفعت إسماعيل أو الدكتور أحمد خالد توفيق لقراءتها ، و ربما الرد عليها !

و بعدها أحب أن أسألك عزيزي القارئ : و ما هي أسوأ مخاوفك أنت ؟

الرسالة

دكتور أحمد ، السلام عليكم و رحمة الله

تحية طيبة و بعد ، أود أن أعرب عن شكري و تقديري لإبداعك المتميز ، و أود كذلك أن أعتذر لك مقدما عن طلبي – و الذي أطلبه بدون سابق معرفة – و هو أن توصل الرسالة التالية للدكتور الفاضل رفعت إسماعيل ، و لك مني جزيل الشكر و الامتنان .

ملاحظة: سأكون في غاية الشكر لو تفضلت بإعلامي أن الرسالة قد وصلت بالفعل للدكتور رفعت .

أحمد كمال

عزيزي الدكتور رفعت ، السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

كيف حالك يا دكتور؟ أرجو أن تكون صحتك بخير .

الحقيقة أنا محرج جدا من دكتور أحمد لأني أرسلت إليك على عنوانه ، و لكن العتاب عليك أنت يا دكتور رفعت ! أعتقد أنه من الأفضل الحصول على عنوان بريد إلكتروني مستقل لك ، و على الأقل يمكن لأحد أصدقائك أو تلاميذك المقربين أن يقوم بمهمة طباعة البريد لك مثلا . أنا أعرف أنك غير معتاد على استخدام الكمبيوتر و الإنترنت ، و لكن الموضوع فعلا بسيط ، و قد رأيت العديد من الأقارب و المعارف كبار السن ممن تعلموا و اعتادوا التواصل عن طريق البريد الإلكتروني ، أي نعم لا أحد منهم قد تجاوز الثمانين – ربنا يعطيك ألف صحة – و لكنهم ينتمون إلى نفس الجيل الذي يرى في الكمبيوتر لعبة أطفال معقدة .

المهم إني أردت أن أكتب إليك من قبل عدة مرات ، و لكني ترددت لخوفي من أن تكون رسالتي غير مهمة لك ، و كذلك فكرت في مقابلتك ، و لكني وجدتها مهمة أصعب ! فيبدو أنه علي أن ألتقي بالمؤلف أولا و أقنعه بأهمية لقائنا ، و لا أعرف ما سيكون رأيه ، و لذلك وجدت أن الرسالة أفضل بالرغم من كل شيء .

أظن أني قرأت جل قصصك عن ذكرياتك الغريبة ، و هي تتعلق بما وراء الطبيعة ، و هي ارتبطت لدى القراء بالرعب بأنواعه التي قمت بشرحها من خلال القصص ، و مع ذلك أعتقد أنك لم تذكر أكثر القصص رعبا لديك . أشعر بهذا و أفهمه ، و لكني لا أعرف سببه . قد يكون هذا شفقة منك على صغار القراء ، بل و على الشباب خوفا عليهم من أن يسيطر الرعب على حياتهم ، و إنك لقادر على ذلك بالفعل . و قد يكون السبب أنك مازلت خائفا من هذه القصص رغما عنك ، أو قد يكون هذا الخوف مرجعه إلى المؤلف ، و أنا لا أريد أن أذكره في غيبته ، و لكنك تفهم أنه مختلف عنك يا دكتور رفعت ، فبرغم كل شيء هو لديه الكثير مما يخاف عليه ، بعكس شجاعتك الناتجة عن عدم وجود ما تخاف عليه – و اعذرني لصراحتي .

الرعب الذي أتحدث عنه و الذي أظن أنك تجنبت الحديث عنه كثيرا هو الرعب الحقيقي الذي قد يصيب أمثالي من الناس العاديين ، الرعب الذي لا يحتاج أن أسافر إلى اسكتلندا أو رومانيا أو حتى كفر بدر ، الرعب الذي قد يصيب الإنسان و هو يسير في الشارع في الظهيرة ، الرعب الذي يصيب الإنسان و هو وسط أحبائه ، الرعب الذي يسيطر على الإنسان و هو يتابع التليفزيون !

الرعب الذي أتحدث عنه ليس نوع واحد و لكن أنواع كثيرة ، و أعرف يقينا أن شخصا مثلك و بمثل تجاربك و علمك و خلفيتك الثقافية ، لابد و قد تعرض إليهم ، بل و له معهم خبرات مثيرة ، يهم الكثيرون أن يعرفوها .

لعلي قد أطلت عليك ! و أنا أعرف أنك سريع الملل ، و أعرف كذلك أنك فهمت ما أريد أن أقوله ربما من السطر الأول ، و لذلك سوف أتركك الآن في سلام .

لا أعرف لماذا يلح علي خاطري الآن أنه ربما يجب علي قبل أن أختم رسالتي إليك أن أوضح قليلا من الأمثلة التي تحضرني الآن من أنواع الرعب الذي أقصده ، و إن كنت أعلم أنك قد ترى في هذا استطراد لا فائدة منه !

  • إن الرعب يحدث في الحرب ، لابد أنك قد عشت هذا من خلال معاصرتك لعدة حروب عربية مع إسرائيل ، و هذا يحدث لنا الآن أيضا في فلسطين و العراق و السودان ، و حدث من قبل في لبنان و الكويت و غيرهما ، إن خبرة مروعة كهذه في رأيي مرعبة أكثر من كل الشياطين ، و جنرالات الحرب قد يكونوا أكثر إرعابا من مذؤوبي و مصاصي دماء العصور الوسطى .
  • إن الرعب من الغضب الأعمى للغوغاء مرعب أكثر من الزومبي في أمريكا الوسطى ، القوة الكاسحة للجموع التي تتحرك بلا عقل تجمد الدماء في عروق أبراكساس نفسه ، و لعل التجاء وحوش القصص المسكينة إلى الظلام هو في الأساس خوفا من الإنسان .
  • إن الرعب من مواجهة مبادئك في اختبار مفاجئ قد يحيل حياتك إلى جحيم ، إنها اللحظة التي تكتشف فيها أن شعاراتك و قناعاتك تتهاوى مع أول حفنة مال أو أول كف من يد الصول بسطاويسي ! هل جربت يوما أن تخون من ائتمنك تحت الضغط ، أو أن تتخلى عمن تحب ساعة الشدة ؟ هل خفت يوما من مواجهة نفسك في ساعة لا يراك فيها أحد ؟
  • إن الرعب مما يصيبك من الناس مخيف أيضا ، إنه الرعب مما يقولونه وراء ظهرك ، ومما يدبرونه ، و الرعب خاصة من اللحظة التي تنتظرها و تتوقعها ، والتي سوف يواجهونك فيها بما أخفوه قبلا ! إن ما يكنه الناس عنك في صدورهم و ما ينوون فعله لهو مرعب حقا .
  • إن الرعب من انحراف الناس أيضا مخيف إلى أقصى حد ، فالتعامل مع المجرمين و المنحرفين وارد في كل لحظة ، و الكثير منا تعرض له بالفعل . هل تذكر اللحظة التي طلب منك رجل ما – يبدو عاديا جدا بالمناسبة – طلب منك المحفظة أو الساعة ، أو حياتك ؟ هل تذكر اللحظة التي رأيت فيها فتاة تتعرض للتحرش من شلة منحرفين ؟
  • و قريب من هذا رعب التعرض للمخدرات ، سواء كان هذا بالتعامل مع المدمنين أو بتحولك أنت نفسك إلى عبد لها ، و الأخطر أن تكتشف أن أحدا من حولك مدمن بالفعل ! و المأساة الحقيقية في سبب هذا الإدمان .
  • إن الرعب عند مواجهة القوة الغاشمة التي تهدد وجودك ذاته لا نظير له ، إنها اللحظة التي تجد نفسك فيها تحت رحمة الناظر الذي قالوا أنه قتل طفلين من قبل ، و أنت تعرف أنه مصمم ألا يتركك إلا بعد أن يترك ندبة في شخصيتك ، أو اللحظة التي تجد نفسك فيها تحت رحمة رجل "أمن" أفهموك في صغرك أن مهمته أن يحميك ، و صرت تتجنبه لمعرفتك أن أقل ما في إمكانه أن يحتجزك مع حثالة المجتمع للتشفي فيك لعقدة ما لا تعرفها ، و قد يكون في إمكانه ألا يتركك إلا بعد أن يترك ندبة في بدنك !
  • إن مواجهة المجتمع و سلطته بفكرة ما تؤمن بها و تعمل من أجلها قد تحولك إلى تابوو حقيقي يحمل نوعا فريدا من الرعب ، إن عداء المجتمع أو الحكومة لفكرتك قد تحولك إلى نموذج يتصعب عليه الناس بقدر ما يبتعدون عنه ، حتى و إن كانوا مؤمنين بنفس الفكرة . و لعمري إن العزل و النبذ في المجتمع لمن أبشع المرعبات !
  • إن الرعب من الأسلحة النووية رعب حقيقي و قائم ، و هو يختلف عن رعب حياة الحرب نفسها ، فهو يتعلق بالتهديد المباشر أو المبطن ، و يتعلق أيضا بالخوف من التسرب النووي ، و الإهمال في التعامل مع المنشئات ، و مثله الخوف من الأسلحة البيولوجية و الكيميائية التي تحسسك أنه ليس في إمكان أحد تجنبها بموقف إذا تعرض لها ، و لكن يمكنك فقط التعامل مع آثارها .
  • إن الرعب من الوضع و المستقبل السياسي المضطرب في أي بلد يحيل الحياة جحيما ، هل تذكر اللحظة التي انتظرت فيها التغيير و خفت منه ، و اللحظة التي طلبت فيها إصلاح المشاكل التي هي أصلا جزء من نسيج حياتك ؟ هل تذكر اللحظة التي فقدت فيها الاتجاه و المعالم ، و أحسست أنك و كل ما تعرف تسير نحو المجهول ، و أنه لا سبيل إلا الهروب ، سواء كان هذا الهروب بالسفر أو الإدمان أو الشعر أو تحضير الأرواح ؟
  • إن الرعب من نفسك التي بين جنبيك و المصير الذي ستذهب إليه لهو أشد أنواع الرعب ، فأنت لا تدري إلام يؤدي بك ما تفعل الآن ، و لا تدري نتيجة قراراتك حتى بالنظر إلى الحسابات التي أجريتها ، و الأدهى أنك لا تعرف ما قد يطرأ عليك في الأيام القادمة و يجعلك تلف الدفة 180 درجة .

...

دكتور رفعت أعرف أني قد أطلت عليك بالفعل ، و أرجو ألا أكون أنا آخر من يقرأ كلماتي هذه ، و لكني أرجو أن تكلم الناس عن الرعب الحقيقي ، الرعب الذي عشته أنت و الناس جميعا ، و الذي سيكون معينا لهم على فهم أنفسهم و العالم بشكل أفضل .

و تفضل بقبول فائق التحية ، و السلام عليكم و رحمة الله .

أحمد كمال

* اللوحة للفنان محمد حجي


تحديث : الدكتور أحمد خالد توفيق يرد على الرسالة

18 أبريل 2009

المنطقة الرمادية

المنطقة الرمادية اندفعت الخواطر تهاجمه ، و لكن وطأة اللحظة فرقتها ، فصار لا يعرف أيستعين بما يهاجمه على ما يسكنه ، أم يدفع عن خاطره كلاهما ؟

كان يصارع واقعا آلمه ، كان الألم جارحا ، و لكنه اعتاده شيئا فشيئا ، صار بعضا منه ، و أصبح اختياره أن يعيشه . ثم جاءت تلك الأسئلة ، هزت استقرار الواقع ، و كشفت أن الواقع ليس قدرا محتوما ، و إنما اختيارا إنسانيا جديرا بالمحاولة و التجريب .

...

تحدث إلي صديقي الذي أعرفه منذ سنين طويلة كما لم نتحدث من قبل ، ربما هي إحدى المرات القليلة التي يمس فيها الحديث قلبه ، و قلبي ، نظر لي بعينين مليئتين بالحيرة و الأسئلة ، لم أعد أنظر إليهما ، و إنما إلى تردده و ضيقه ، و هو يسألني أسئلة لا أحسن الرد عليها .

و تذكرت حينها حيرتي و دهشتي في مواقف و مشاكل لا أعرف كيف أتعامل معها بالشكل الأمثل ، و المذهل أن تكرر هذه المواقف لا يزال يسبب الصراع .

عادة ما تكون هذه المواقف ناتجة عن الضياع بين المسموح و المرغوب ، إنها المسافة بين الواقع و الأمل ، أو المساحة التي يمتزج فيها الرأي و الهوى بالواجب و المفروض و ما تمليه الظروف ، إنها تلك المنطقة الرمادية التي تتشابه فيها الألوان فيختلط المفروض بالواجب ، و المسموح بالمتاح ، و يتساءل الإنسان لما قد يثقل الضمير بما يمليه الواجب ؟

...

عدت من أسئلتي الحائرة إلى حيث أسكن على ضفاف اليقين ، تذكرت صديقي و حديثي المرسوم بالأبيض و الأسود ، حيث تتضح المعالم ، و تتمايز الأشياء ، ثم قارنت هذا بتعاملي مع الواجب ، و تقبلي للظروف ، حين أتجاوز المفروض قليلا ، باستنفاد المتاح ، في ظل مساحة ضيقة من المسموح ، بحثا عن الأمل ، و في محاولة لتغيير الواقع ، و إرضاء للضمير .

 

* اللوحة للفنان محمد حجي

 

* أعتذر عن الغياب لفترة طويلة ، و أسأل الله أن يوفقني للعودة و الانتظام قريبا

14 فبراير 2009

مشاريع مؤجلة

مشاريع مؤجلة كتب متراكمة من حولي في كل مكان بنية أن أقرأها ، بعضها جديد لم أفتحها ، و بعضها قرأت أجزاء منها ، و البعض الآخر أحب أن أعيد قراءتها من آن لآخر ، أتلمس فرصة لأفرغ منها و أنقلها لمكتبتي .

عشرات المقالات في الريدر تنتظرني يوميا ، أصر على أن أتصفحها كلما استطعت ، في بعض الأحيان أمسحها لضيق الوقت ، و أنا أعلم أنني لو قرأت العناوين لفضلت قراءة بعض المقالات ، و قد أحفظ بعضها للرجوع إليها فيما بعد .

يوجد في حسابات بريدي الإلكتروني المختلفة مئات الرسائل التي أحتفظ بها انتظارا "للوقت المناسب" ، نادرا ما يأتي هذا الوقت لأمسحها أو أصنفها أو أكتشف ما بها من كنوز .

لدي أصدقاء أحتفظ بأرقامهم منذ سنين لأتصل بهم – ناهيك عن لقائهم – حينما تسنح فرصة ، قد أجدها ، و قد تجدني ، فتزرع إشراقات في نفسي و نفوس تكاد تنساني .

من آن لآخر أحس بهمّ آلاف الكتب و البرامج المكدسة على CDs و DVDs في انتظار أن أستغلها ، بينما لن يكفي عمري لاستكشافها ، و مع ذلك مازلت أشتري و أقوم بتنزيل الجديد غيرها .

ملايين التفاصيل تتراص و تتزاحم و تتراكم في انتظاري ، أستقبلها أنا ، و يتسع أملي في أن تكون لدي القدرة على التعامل معها ، و أنتظر فراغي بصبر لأملأه بها ، فإذا بالفراغ مفهوم مراوغ ، لأنه مشغول من قبل أن يفرغ ! فأشتاق لفراغ حقيقي .

أفكار مؤجلة

مشاريع مؤجلة 2 أجندتي تمتلئ بأفكار للكتابة ، تنتظرني الأفكار ، و أنتظر أنا الفرصة لأضيف إليها الصياغة و المعلومات و السياق المناسب ، و تراوغني إمكانيات الوقت و الفكر و الصنعة ، فتتأجل مشاريع الأفكار .

كما تضيف المشاريع المؤجلة أبعادا جديدة للحياة ، تبعث فيها الأمل و الطموح و الرغبة في التطور ، إلا أنها قد تشكل عبئا إذا لم تراع توازن الرغبات و الإمكانيات .

أحيانا ما أتساءل هل تتاح لي فرصة تحقيق المشاريع المؤجلة ؟ و يبقى مشروع الكتابة و الأفكار المنتظرة ، هل تستحق الانتظار ؟ هل هي جديرة بإقحامها في قائمة مشاريع العمر ؟

لقد حملت لي تجربة كتابة رحايا العمر – و في خلال أقل من سنة – حملت أفكارا و أحداثا و أشخاصا أضافت عنصرا جديدا إلى قائمة مزدحمة بالفعل ، كما أنها شكلت تحديا جميلا يختلف عن المعتاد ، و هو في النهاية تحديا اختياريا ، و لكن ثمنه فادح فكرا و وقتا .

و رغم وجود الرغبة في استكمال المشروع ، و النجاح في تحقيق أهدافه ، إلا أن إمكانيات التنفيذ تظل مراوغة .

فهل يعني هذا هدنة ، أم أنه يعني نهاية ، أم أنه تأجيلا لمشروع آخر ؟ لا أدري بعد ، و لكنني أتمنى كالعادة تحقيقه ككل المشاريع المؤجلة .

تزدحم في ذهني من جديد أفكار مختلفة للمقالة القادمة ، و لكن هل سأكتبها ؟ لا أدري أيضا ، و لكنني أقول لنفسي حتى الآن : أفعل إن شاء الله .

 

* اللوحة للفنان محمد حجي

25 يناير 2009

قطعة مني

قطعة مني

حنين جارف يمر به ، يبعث الدفء في قلبه ، و يرهف إحساسه .

ظلت رؤية السماء من خلال أوراق الشجر تمثل له ذكرى طفولية رغم مرور الأعوام ، و رغم أنه يرى السماء و الأشجار كل يوم ، إلا أنه يعيش لحظات طفولة متكررة عندما يرى نور السماء يمزق أستار عتمة الأوراق المتراكمة .

مثل هذه الذكرى البسيطة مازالت تبعث فيه إحساسا بالدفء و الأمان ، فعندما كان يشعر بالخوف في طفولته ، عندما يتكاثف داخله و من حوله الخوف أو البرد أو الوحدة أو الظلام ، كان يتعمد وقتها أن يتذكر مشهد أوراق الشجر ، و هو ينظر من تحتها ، ليرى من خلال خضارها زرقة السماء و بياض السحاب ، فتبعث في نفسه دفء الشمس ، و جمال الشجر ، و أمان الضياء و الصحبة .

أسرار صغيرة

يحتفظ الإنسان بمثل هذه الذكريات البسيطة ليتحمل مرور السنوات ، و مرارة التجارب ، و يجدها تطفو على السطح عندما يغرق في المشاكل و المسئوليات ، فتمثل له مهربا و نجاة .

و لعل كل منا لديه أسرارا صغيرة يحتفظ بها لنفسه لتشعره بمتع نقية ، عاشها في طفولته ، أو حتى حلم بها ، فيعاودها من آن لآخر ، لتعاوده تلك المتع . فمن ينسى مثلا إحساسه الأول بحب بعض الآخرين له ، عندما اكتشفه في موقف أو كلمة ؟ و من ينسى حلم ساذج برئ راوده ، و عاش سنين يتخيله و يتمناه ؟

و تظل بعض هذه الأسرار قابعة في ثنايا الذاكرة ، بينما يضيع بعضها الآخر بالنسيان ، فلا يدري الإنسان أيها يفتقد : هذه التي يذكرها ، أم تلك التي نسيها ؟ و لكنه يعلم على أية حال أن كل منها يشكل قطعة منه .

و بقدر ما تعيد هذه الأسرار الإنسان لبداياته الأولى ، بقدر ما تشعره أنه أصبح شخصا آخر ، شخصا غريبا لا يجمعه بذلك الشخص الأصلي إلا - فقط - هذه الأسرار الصغيرة .

الجنوبي

أشعر بالرغبة في قراءة أول الجنوبي لأمل دنقل حيث يقول :

هل أنا كنت طفلاً

أم أن الذي كان طفلاً سواي

هذه الصورة العائلية

كان أبي جالساً، وأنا واقفُ .. تتدلى يداي

رفسة من فرس

تركت في جبيني شجاً، وعلَّمت القلب أن يحترس

أتذكر

سال دمي

أتذكر

مات أبي نازفاً

أتذكر

هذا الطريق إلى قبره

أتذكر

أختي الصغيرة ذات الربيعين

لا أتذكر حتى الطريق إلى قبرها

المنطمس

أو كان الصبي الصغير أنا ؟

أم ترى كان غيري ؟

أحدق

لكن تلك الملامح ذات العذوبة

لا تنتمي الآن لي

و العيون التي تترقرق بالطيبة

الآن لا تنتمي لي

صرتُ عني غريباً

ولم يتبق من السنوات الغربية

إلا صدى اسمي

وأسماء من أتذكرهم – فجأة –

بين أعمدة النعي

أولئك الغامضون : رفاق صباي

يقبلون من الصمت وجها فوجها

فيجتمع الشمل كل صباح

لكي نأتنس.

عجبي يزيد عندما أتذكر أنه كتب هذه الأبيات كإرهاصات احتضار ، و أقرأها كعلامة على حياة .

قطعة مني

عندما أتأمل طفلا صغيرا ، و هو يخطو خطواته الأولى في الحياة ، أشعر أنني أرى معجزة الحياة و الخلق تتكرر ، إن هذا وعي جديد يتشكل أمامي ، و تنبني معه أحلام جديدة ، و رؤى ، و منطلقات ، تمهد لفهم جديد مبني على نجاحات و إحباطات آتية في الحياة .

و هذا كله بدوره يشكل قطعة جديدة مني .

10 يناير 2009

اللحظة الفاصلة

تناولت القصص السابقة أحداثا ثابتة في تاريخنا ، شاء الله أن يحفظها لنا لكي توضح لنا سننه في الأمم ، و من معانيها :

1- لن تهبط معجزة من السماء تلبية لدعواتنا الحارة ، بل سيتحقق الوعد على أيدينا نحن ، أو على أيدي من سيستبدلنا الله بهم .

2- الثبات و الصبر يؤديان للنصر ، بغض النظر عن الظروف المحيطة .

3- تدور الدوائر دائما على المدبرين و المتخاذلين .

4- الصراع القائم عقائدي في الأساس ، و روح المقاومة هي المستهدفة .

5- الأغلبية الصامتة لا قيمة لها ، و لكن التخطيط و التنسيق أساس للنجاح .



و الآن تشبه اللحظة الراهنة ، بكل تجلياتها و مفارقاتها لحظة سقوط الأندلس ، أو بالتحديد لحظة سقوط آخر معاقل الإسلام هناك ، و لكن كيف كان هذا السقوط ؟

لحظة سقوط

لحظة سقوط انقسمت الدولة العظيمة إلى دويلات ، و إمارات ، و ممالك ، و برزت عصبية قبلية شديدة بين هذه الدويلات ، فثارت المشاكل و النزاعات بينها لأتفه الأسباب .

و تنافست الدويلات فيما بينها ، فكانوا ينفقون مقدراتهم على مظاهر الأبهة و العزة ، و عمد كل منهم إلى التحالف مع الأعداء للانتصار على بني دينه و جنسه ، و غلّبوا تنافسهم على مصالحهم ، فاستفاد الأعداء منهم في المجالات الاقتصادية ، و العلمية ، بل و في التنسيق الحربي أيضا .

و مما يدعو للعجب قيام الدويلات العربية الإسلامية بدعم أعدائهم اقتصاديا و سياسيا ، و تآمرهم على بعضهم البعض ، و تحاربهم ، و أنهم سهلوا لأعدائهم الحصول على حصون و مواقع لحماية الدويلات من بعضها البعض ، مما سهل للأعداء مهمة ابتلاعهم دويلة فأخرى .

و لم تتبق للعرب سوى راية وحيدة في الأندلس ، و لم تسقط هذه الراية لزمن طويل جدا ، إلا عندما جاءت الخيانة من داخلها ، فكان فريق من أهلها يعين المحتلين على دخولها ، ليتمكن الخونة من الإمساك بزمام الأمور بمعونة المحتل ! و تزامن هذا مع تخاذل جميع الدول الشقيقة لمملكة غرناطة .

...

من الجدير بالذكر أن الخونة لم يكن حظهم بأفضل ممن خانوا ، و أن الدائرة دارت على المتخاذلين جميعا ، و أن الخسارة الأساسية كانت عقائدية ، و لم تقم للإسلام دولة في الأندلس بعدها أبدا .

لا شك في أنها قصة عجيبة ، و لكنها للأسف تتكرر اليوم بحذافيرها ، فبلادنا ممزقة في دويلات ، بعضها محتل عسكريا ، و بعضها تابع صريح للأعداء ، تنتشر القواعد العسكرية الأجنبية لتحمي الأنظمة من بعضها ، و لتثبت العروش رغما عن الشعوب ، و تكبلنا اتفاقيات و معاهدات مع أعدائنا تكرس فرقتنا ، و نستثمر الأموال في الخارج ، و نتنافس و لا نتكامل !

لحظة صعود

لحظة صعود لم تكن لحظة سقوط الأندلس هي أحلك فترات التاريخ سوادا ، فلقد عاشت أمتنا فترة أخرى كانت أكثر سوادا .

قامت مختلف الدول الأوربية بمهاجمة بلادنا ، و احتلال أراضينا ، و كان العامل الحاسم و الأهم الذي أدى لنجاح الأعداء هو تفكك الأمة إلى دويلات متناحرة ، بالإضافة إلى انشغال العلماء بخلافات مذهبية في صغائر الأمور ، و غرق الحكام و المحكومون في غفلة الشهوات و الشبهات .

لقد كان سقوط القدس علامة على مدى ضعف و تشرذم المسلمين و العرب ، و مع ذلك بدأت الروح تدب في أوصال الأمة الضعيفة التي تمرض و لا تموت .

بدأ الأمر بصحوة فكرية تستلهم أفكار الإمام الغزالي و غيره من العلماء ، فأنشئت مدارس تربوية تهدف إلى إيجاد جيل جديد من العلماء و المربين الجادين ، و إحياء الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و الاهتمام بتهذيب النفوس و الترفع عن الشهوات ، و محاربة الخصومات المذهبية ، و ترك القضايا الخلافية التي تفتت الأمة ، و كان هذا كله تمهيدا لإفراز سياسيين و عسكريين على وعي بقضايا أمتهم .

و قد أثمرت هذه المدارس قادة في كل المجالات – و كان من بينهم صلاح الدين الأيوبي ، و بعدما كانت الرايات القومية هي محور التفاف الشعوب ، أصبحت الرايات المرفوعة تنتسب إلى الإسلام ، و تسمى الولاة عماد الدين ، و نور الدين ، و صلاح الدين ، و أسد الدين ، الخ .

و قد تجلت علامات الإصلاح في زهد هؤلاء القادة ، و نشر العدل ، و محاربة الظلم ، و حرية الرأي .

أما نتيجة هذا الصعود فهي معروفة للجميع من تألق مبهر جديد للأمة .

اللحظة الفاصلة

اللحظة الفاصلة و اليوم نقف في مفترق جديد للطرق ، و يتجدد الاختيار أمامنا ، ليكون ما يحدث و ما نعانيه جميعا هو لحظة سقوط فاصلة ، أو لحظة صعود جديدة .

و أقول أن اللحظة ستكون فاصلة لعدة اعتبارات :

1- لقد اجتمعت شعوب الأمة من أقصاها إلى أقصاها على اختيار المقاومة ، لما ثبت لها من تجارب عبر ما يقرب من قرن من الزمان .

2- وحد هذا الاختيار الأمة ، رغم تشرذم قادتها ، و لا تجتمع الأمة إلا على خير .

3- حرب غزة (معركة الفرقان) هي أول حرب تحت راية إسلامية في العصر الحديث كله .

4- حرب غزة هي اختبار هذا الجيل ، مثلما تمثلت اختبارات الأجيال السابقة في النكبة ، و النكسة ، و غيرها ، فلو سقطت غزة – لا قدر الله – فقد تجري علينا سنة الاستبدال كما جرت على من كانوا قبلنا .

أسئلة اللحظة

من خلال قراءة و سماع ردود أفعال عموم المسلمين في كل مكان على حرب غزة ، سنجد أن الأسئلة كلها تدور على المحاور التالية :

1- إحساس عام بالعجز ، و قلة الحيلة ، و أحيانا اليأس

2- ماذا نفعل لنصرة غزة ؟

3- هل العودة للدين و التمسك به هو المطلوب ؟ أم أن التركيز على التقدم الاقتصادي و العلمي يمثل حلا ؟

4- هل الحكومات على خطأ ؟ و هل يجب علينا الثورة ضدها ، و الانقلاب عليها ؟

و لا يمكن إجابة هذه التساؤلات إلا انطلاقا من قاعدتي : و أعدو لهم ما استطعتم من قوة ، و إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .

إن أبناء فلسطين هم أول صفوف الرباط ، و علينا نصرتهم ، مع العلم أن القضية تخصنا جميعا ، و أنهم لا ينوبون عنا في جهادهم ، فواجب كل منا نحو القضية هو بذل كل ما يستطيع ، و لن يتنزل نصر الله إلا إذا بذلنا كل المستطاع فعلا ، فمثلا إذا كان في حوزتي عشرة رصاصات ، و لم أضرب إلا خمسة ، فقد قصرت في أداء واجبي ، و هكذا ، كما أن التغيير لابد أن يكون جماعيا ، تشارك فيه كل الأمة رجالا و نساء و أطفالا ، كل بما يقدر عليه في موقعه ، و تغيير النفس يشمل تغيير الأفكار ، و القيم ، و الثقافات ، و الأولويات ، و الاتجاهات ، و العادات ، و التقاليد .



و لكن ..

ما هو دورك لتحديد ملامح اللحظة الحالية ؟

فيما يلي مفردات دور كل منا لخلق لحظة صعود ، و تفادي السقوط ، و هذه الواجبات يجب أن تؤدى بالتوازي ، و لا توجد عوائق لأدائها ، و سنسأل عنها أمام الله تعالى ، فعدم التزام الآخرين بها ليس مبررا على الإطلاق لتركها .

دورك هو :

1- إصلاح نفسك ، و زيادة إيمانك ، بما يشمله هذا من إقامة الصلاة ، و قراءة للقرآن ، و حتى الأمر بالمعروف ، و النهي عن المنكر ، و يمكن الرجوع لسورة الإسراء لدراسة منهجا كاملا للإصلاح .

2- نشر المفاهيم الصحيحة حول القضية ، و يمكن الرجوع لمدونة مهندس مصري حول هذا الموضوع ، كما يمكن قراءة هذا الكتاب الرائع .

3- استلهام نماذج التضحية الفلسطينية لإصلاح مجتمعنا ، فشغل الوقت بالقضية ، و بذل المال و الدم و راحة البال ثمن بسيط مقارنة بتقديم النفس و الولد كما نرى في فلسطين .

4- عليك أن تتبنى حملة لدعم فلسطين ماديا بين أفراد أسرتك ، و أقاربك ، و جيرانك ، و تذكرهم بواجبهم شهريا ، و تكون مسئولا عن أن يكون هذا الدعم مستمرا .

5- الدعاء المستمر ، و الشعور بأنك تحمل هذا الهم ، و تعمل من أجله .

6- محاربة المفاهيم السلبية مثل اليأس من التحرير ، فما فسد في سنوات لا يصلح في أيام .

7- كشف الخداع الإعلامي ، فالجهاد ضد المحتل ليس إرهابا ، و القضية ليست فلسطينية ، و هكذا .

8- تفعيل مقاطعة اقتصادية نفعية شاملة و دائمة لمنتجات أعدائنا .

9- توجيه الرسائل ، و التعبير عن موقفك بكل الطرق السلمية الممكنة ، لإرشاد الحكام و الضغط عليهم .

10- العمل على الإبداع و التفوق في مجالك ، و تذكر أنك على ثغر من الثغور ، فلا يؤتى الإسلام من قبلك .



بالله عليك اعمل بهذه الواجبات ، و انشرها ، إن كنت تظن أن بها خيرا ، و اترك النتائج لله سبحانه و تعالى .



اللهم قد بلغت ، اللهم فاشهد



* اللوحات للفنان محمد حجي

01 يناير 2009

مجموعة قصصية جديدة

القصة الأولى

الانتفاضة تآمرت القوى الإقليمية و الدولية ، و توافرت لديها الدوافع و الأسباب التي تجعلها تحارب حتى الدين و رموزه و مقدساته ، و اندفع أصحاب المصالح يدقون طبول الحرب .
في الوقت ذاته دب الضعف في الأمة ، تباعدت ، و تعادت ، و اقتتلت ، صارت المصالح القبلية هي الميزان ، و توجهت الدفة نحو الاقتتال الداخلي ، و رفضت القيادات اللجوء للخيارات الإستراتيجية السليمة .
تحركت جيوش الظلم مدفوعة بأحقاد و أطماع ، لم يكن يواجههم أي احتمال أن توقفهم أي من القوى العالمية ، كانوا يعلمون تماما أن الأمة ما هي إلا كيانا متهالكا لا يصمد أمام العدوان ، خاصا أن جيوش الظلم امتلكت أسباب البطش ، و كانت لديها أسلحة لا سبيل لمواجهتها ، عززت منها الحرب الإعلامية .
و برغم يقين أبناء الأمة بعظمة ما لديهم ، لم يحركوا ساكنا ، اختاروا أن يقفوا موقف الخضوع ، و علموا أنهم لا يملكون من أمرهم شيئا ، و لكن تعلقت أفئدتهم بالسماء ، في انتظار معجزة تنتشلهم مما هم فيه .
قبل أن يبدأ العدوان ، و ينطلق المحتل يعيث فسادا ، مر بزعماء القبائل القريبة – التي لابد أن يمر عليها أولا ، و تأكدت لديه ألا حياة لمن تنادي ، و تهاوت أمامه الرموز ليجد طريقه ممهدا .
و عندما وصل جيش أبرهة لمكة لم يجد مقاومة من البشر ، و لكن حدثت معجزة السماء ، و أمطرت عليه حجارة من سجيل فجعلته كعصف مأكول .
...
نرى ما يحدث أمامنا و نتعجب ، نتمنى أن تحدث المعجزة و يكون أعدائنا كأصحاب الفيل ، و ننسى أننا مسلمين ، و مكلفين بحماية أنفسنا و مقدساتنا ، و حرمة الدم الذي يراق الآن أعظم من حرمة الكعبة الشريفة .
و لكن هل ما زال بعضنا ينتظر هبوط الطير الأبابيل ؟

القصة الثانية

حصار غزة 3 كان المؤمنون على ثقة تامة ، و كان الله قد وعدهم إحدى الحسنيين .
كانت الجيوش تزحف من كل مكان ، و تواترت الأنباء عن النية المبيتة للقضاء على وجود هؤلاء المؤمنين .
قام العدو بالتنسيق مع كافة الأطراف التي يهمها أن تقضي على ذلك الخطر ، فقد باتت الأوضاع السائدة و الخطط المستقبلية المرسومة مهددة بالضياع إن لم تتخذ هذه الخطوة الآن .
كان اليهود بمكرهم المعتاد قد قاموا بكل ما يملكون من قدرات عسكرية و دبلوماسية لإنجاح خطتهم ، و كان الحسابات البشرية تحتم نجاحهم فيما يسعون فيه .
و في المقابل تمسك المؤمنون بدينهم و باختيارهم ، و رفضوا أن يسلموا الدين و الدنيا للمعتدين ، لقد كان عليهم أن يجاهدوا حتى و لو كان ذلك نبشا في الأرض بأظافرهم .
و برغم الإيمان ، فقد زلزلوا زلزالا شديدا من الهجوم الذي واجهوه ، فأعدائهم جاءوهم من فوقهم و من أسفل منهم ، فزاغت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر .
و في ظل هذه الأثناء الحرجة خرجت أصوات شركاء الأرض و المصير تقول نحمي أبنائنا و بيوتنا دونكم ، رغم ما بينهم جميعا من معاهدات ، و ينسون أن الدوائر ستدور عليهم إن هم تخلوا عن إخوانهم .
لقد كان ثبات المؤمنين من أسباب النصر في يوم الخندق ، فبرغم الحصار و تحالف القوى ضد المدينة ، فإن الله غالب على أمره ، و لكن أكثر الناس لا يعلمون .
...
انقسم المسلمون إلى فريقين في يوم الخندق ، و اليوم يتجدد الاختيار أمام كل منا .


القصة الثالثة
بدأ الأمر بتعصب ديني ، إن اليهود يرفضون ألا يكونوا شعب الله المختار .
و برغم ارتكابهم لكافة أنواع الآثام ، و برغم تاريخهم الأسود ، إلا أنهم يصرون على أنهم هم الأفضل ، و أن من غيرهم ما هم إلا أغيار ، أميين لا قيمة لدمائهم أو أموالهم أو أعراضهم .
لذلك أعلنوا أن دولتهم "يهودية" ، و لا يقبلون فيها أو لها ألا تكون إلا كذلك ، حتى و إن كان ذلك بالقوة ، بل إن ذلك لم يكن ليكون إلا بالقوة .
لم يتقبل رعاة دولة يهود أبناء أي دين جديد ، و عندما علموا أن هنالك من ينادي بالإيمان و بالإصلاح ، صارت قضيتهم عقائدية قبل أن تكون سياسية أو أمنية .
إن لك أن تتبنى أية قضية ، إن لك أن تشتغل بما تحب ، و لكن البحث عن ذاتية عقائدية و بعث الإيمان في الأمة من جديد هو أخطر ما يهدد الدولة الهشة القائمة على الظلم و الاغتصاب .
لذلك كانت الحرب الشعواء على رموز الإصلاح و الجهاد ، و ذلك بالاغتيال و التنكيل ، ثم امتد الأمر إلى كل من اعتنق هذا الاختيار ، إن مصيره هو الحصار و الحرق بالنار .
إن المطلوب ليس هزيمة أعدائهم ، و لكن المطلوب هو إقصاء معنى المقاومة ، بل و القضاء على كل من يتبنى فكر المقاومة و الإصلاح و الجهاد .
لقد قام أصحاب الأخدود بجريمتهم الشنعاء ، فحاصروا الرجال و النساء و الأطفال الذين آمنوا و أحرقوهم أحياء بالنار ، و لم ينصر المؤمنين أحد من أهل الأرض .
...
نرى ما يحدث أمامنا و لا نتخيل أن يكون مصير إخواننا المحاصرين كمؤمنين أصحاب الأخدود ، برغم أن هذا ما يحدث أمامنا بالفعل ، و نحن لا نملك إلا أن نندد بهذا ، و نتمنى ألا يطول الأمر كثيرا .

في الوقت ذاته ألا نخاف أن نكون من أصحاب الأخدود ؟



القصة الرابعة


عندما تحالفت قوى الشر و الظلام على المؤمنين ، كانت أهدافهم في الأساس تكريس الظلم و الفساد ، فلقد اعتادوا أن تسير الحياة على وتيرة واحدة .
لقد اخترعوا أصناما وضعوها أربابا للعباد ، و جعلوا أبناء الأمة يتلهى كل منهم بصنم ، و كانت التلهية هي أساس مكر الليل و النهار ، فبدونها ينتفض العباد ، و يرفضون ما يحدث حولهم و أمامهم من نظم مختلة ، و أساليب عقيمة لإدارة الدنيا ، تخول للملأ المستفيدين من الوضع استثماره و استمراره .
و في المقابل زاد إيمان المؤمنين ، و رغم تحذير السادة و الكبراء من إتباعهم ، راحت أعدادهم تتزايد ، و رغم خفوت صوت المقاومة وسط محيط الجهل و التضليل ، فقد فطن أهل الظلم أن في هذا النور الوليد القوة و القدرة على تغيير الأمة بأسرها .
و بالفعل كانت روح المقاومة تغير شيئا ما في نفوس المحيطين ، فلقد بدأ يظهر ضلال ما كانوا يظنون سابقا أنه الحق .
و لهذا كله كان القرار بالمحاصرة ، و المعاقبة ، و المقاطعة ، كان القرار بالتجويع حتى الموت ، و الويل لمن يعترض على هذا من المحيطين .
فكل صوت ينادي بفك الحصار و الرحمة هو صوت معادي ، له أهداف أخرى و لابد ، أهداف تسعى لزعزعة الأمن و الاستقرار الذي يسعى إليه القادة .
لقد كان فك حصار المؤمنين في شعب أبي طالب بأمر من الله ، و تحقق ذلك رغما عن الكفار عندما استطاع الناس أن يهبوا ليرفضوا الظلم الواقع على إخوانهم المحاصرين في الشعب .
...
و اليوم هل نملك لإخواننا المحاصرين دعما ، أم ليس لنا من الأمر شيئا ؟


ما أشبه الليلة بالبارحة ! و لكن الحقيقة أن ما يحدث اليوم يطابق بحذافيره قصة أخرى تماما ، أحكيها في المرة القادمة إن شاء الله تعالى ، هنا على رحايا العمر .

* اللوحات للفنان محمد حجي
تحديث : أصداء مجموعة قصصية جديدة : فلنحطم الأصنام على مدونة مجداوية