علمني من فضلك
تعلمت منذ زمن طويل ألا أتغاضى عن كلمة سمعتها و لم أفهم معناها ، اعتدت أن أدون ملاحظة بها ثم أبحث عن معناها عندما تتاح لي الفرصة ، و كان هذا الأسلوب يضمن لي أن أتعلم كل يوم شيئا جديدا ، فما أكثر الحوارات و الاجتماعات التي أحضرها و أسمع فيها شيئا ما لم أكن أعرفه من قبل .
منذ وقت ليس بالطويل كنت أحضر أحد الاجتماعات عندما وجدت صديقي يرفع يده في أثناء النقاش و يسأل أسخف سؤال ممكن ، توزعت على وجوه الحاضرين نظرات بين استنكار و استخفاف ، بينما اكتفيت أنا بنظرة استفهام لأنني أعلم تماما براعة صديقي و سعة اطلاعه ، و ابتسم هو و قال ببراءة :
Its better to be dumb for a few minutes than to be dumb forever
فهمنا ما يقصده ، فالسؤال مهما بدا ساذجا أو سخيفا في هذا التوقيت إلا أنه سيتلقى إجابة ، و لن يكون على صديقي أن يطرح السؤال مرة أخرى ، أو أن ينتظر حتى يبحث عن إجابة لسؤاله بنفسه .
وجدت أن أسلوب صديقي يعتمد على طرح التساؤل في لحظة اكتشاف الحاجة للسؤال ، و تحمل رد فعل الآخرين ، بينما كنت أنتظر أنا ، و أتحمل تأخر الإجابة حتى تتسنى لي معرفتها . كانت مزايا أسلوب صديقي أنه يتعلم ما يجهله في الحال ، و يستفيد من معرفته هذه فورا ، و كانت مزايا أسلوبي أنني لا أعرض نفسي لرد فعل أكرهه ، و أنني أستطيع أن أعرف ما أريد بالقدر الذي أحتاجه ، و بدأت أفكر في أنسب المواقف لاستخدام أيا من الأسلوبين .
قررت أن أجرب أسلوب صديقي في السؤال عما أجهله فورا ، و حاولت فعلا ، و لكنني وجدته أسلوبا صعبا ! و اكتشفت أنني لا أحب هذا الأسلوب لأنني أخاف من رأي الناس ، و رغم أنني لم أكن أعاني من مشكلة في الاعتراف بأخطائي ، إلا أنني وجدتني أتأثر برأي الناس بشدة .
رأي الناس
كنت أعلم أن رأي الناس يعتمد في الأساس على مظهري ، و أسلوب كلامي ، ثم بمحتوى ما أقول ، و أخيرا بأفعالي ، و من العجيب أنك تجد الشخص المنمق صاحب المجاملات و الكلام الجميل هو الشخص صاحب الشعبية الأعلى ، بل و قد يفوز بثقة العديدين ، و يحب الكثيرون عادة أن يرضوه لأنهم يحبون أن يسمعوا منه حلو الكلام .
فهمت فيما بعد أن رأي الناس يتكون بسرعة من خلال المظاهر و الانطباعات ، ثم يتغير هذا الرأي و يتبلور مع الوقت و زيادة المعرفة ، و من خلال المواقف و ليس الكلام . و يسهل أن ترى من الناس من يطفو سريعا على السطح بسبب مواهبه الاجتماعية ، و لكن لا تلبث أن تتضح المواقف و أصحابها ، و يتميز أهل الثقة .
و اليوم مازلت أرى أن الانطباع الأول هام ، و أن رأي الناس السطحي مؤثر ، و لكنه ليس الأساس ، و أن الأفضل أن أكون نفسي ، و خير لي أن أبني ثقة من حولي خطوة بخطوة .
إن نظرة مدققة لمجتمعنا تظهر اهتماما مبالغا فيه لرأي الناس ، و بالتالي اهتمام بالمظهريات و القشور على حساب الحقيقة و المضمون ، و لعل كثير من آفات مجتمعنا و مشاكله تتعلق برأي الناس .
...
و حتى اليوم مازلت أحاول أن أمزج بين أسلوبي التعلم للحصول على أفضل نتيجة . و لكن ماذا عنك أنت يا صديقي ؟ هل سبقتني في هذا المجال ، أم أنك مازلت تتحسس خطواتك مراعاة لرأي الناس ؟
* اللوحة للفنان محمد حجي
...
تحديث : أشكر جميع الأصدقاء الأعزاء على تعليقاتهم ، و أظن أن هذه التعليقات تضم اضافات للموضوع لا حصر لها ، و أنصح كل من اهتم بموضوع المقالة أن يتابع التعليقات أيضا .
تحديث : أصداء رأي الناس صديقتي و النت في مدونة يوميات أم البنين