المباراة الفاصلة
وجدني أحد الأصدقاء أعمل حتى وقت متأخر يوم المباراة الفاصلة ، فبينما خلت معظم المكاتب في وقت مبكر جدا نسبيا وجدتها أنا فرصة للتركيز فيما يقتتل الناس للتمركز المبكر أمام الشاشات بأنواعها : الصغيرة منها و العملاقة .
قال صديقي : مش تلحق تروح تشجع المنتخب ؟
قلت له : حانزل قبل الماتش بحاجة بسيطة ، أو حتى مع بدايته ..
قال لي : معقول ؟ انت مش وطني ولا إيه ؟
فقلت ضاحكا : أنا أحمد الله انه عافاني من حاجتين : إدمان السجائر ، و تعصب الكرة !
أما الوطنية بالنسبة لي فمجالها مختلف ، و لم أجد غضاضة قبل مباراة القاهرة أن أقول أن وصول أي من الفريقين لكأس العالم يستوي عندي ، و أنني أحب الجزائر حقا ، هي جزء من بلادي ، و شعبها أهلي .
مرحلة اللاعودة
لا أخفي أن تصاعد الأحداث من الجانبين بدا لي مدهشا بحق ، أنا أعرف جيدا عصبية لقاءات فرق شمال أفريقيا في كرة القدم ، و مع ذلك لاحظت مبالغات إعلامية لا مثيل لها من قبل ، مبالغات لا يمكن أن تكون عفوية ، و تنذر بعواقب وخيمة ، بغض النظر عن نتائج المباريات .
و في النهاية وصلت الأمور لمرحلة اللاعودة ، و أصابني حزن عميق لما أرى و أسمع من الجميع على الجانبين ، و أعترف بإحساسي بخيبة الأمل ، و إن لم أندهش لإمكانية حدوث هذه النوبة الهستيرية من شعوبنا (كما وصفها د. جلال أمين) ، و لكن صدمت في ردود أفعال النخب إلا من رحم ربي .
ماذا أقول؟
فكرت قبل المباراة الأولى في الكتابة عن الجزائر و إحساسي بها ، و ماذا تمثله لي بلدا و شعبا ، فإذا بي أقرأ المقالات الجميلة هل حقا يكره الجزائريون مصر والمصريين؟!! ، و فى حب مصر والجزائر
تمنيت بعدها أن أجد تجميعا للمقالات التي تتناول الموضوع من زاوية عقلانية ، و وجدت أن إسكندراني مصري قام بمجهود رائع في هذا الصدد ، من خلال مجموعة موضوعات متتالية : 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، 6 ، 7 .
بحثت في وسط كم مهول من الأغاني الوطنية التي تحولت بفعل فاعل من أغاني حماسية حربية إلى أجهزة شحن عاطفي تقنع الجماهير أن نتيجة مباراة كرة قدم هي "نصر" و ليست "فوز" ، بحثت فيما يذاع و يؤلف و يبث عن صوت للتعقل فلم أجد إلا محاولة من أحمد مكي في أغنية فوقو ، و لم يسمح بالإذاعتها على أية قناة معروفة على حد علمي المتواضع في هذا المجال .
و الآن و بعد الأحداث الأخيرة فكرت في أن أتحدث عن إحساس المصري العادي بما يحدث ، أو عن نظرية المؤامرة التي تريد أن توقع العداوة و البغضاء بين أبناء الأمة ، أو عن فقه الفتنة ، أو عن الدور المشبوه لرموز الإعلام المصري خيبهم الله في الشحن الجماهيري ، و غير ذلك الكثير ، و لكنني وجدت الكثير من الآراء المستنيرة ، أشكر أصحابها ، و أضعها هنا تقديرا لها :
- حوار معي عن مباراة الجزائر ، للمراكبي
- مصر و الجزائر - أبدعوى الجاهلية ؟ دعوها فإنها منتنة ، لمهندس مصري
- محور الشر في الإعلام المصري و الجزائري ، للمدون الجزائري خالد ميمون
- استعنا ع الشقا بالله: هو مين علاء مبارك ده؟ و من مدونة جزائرية ، لنوارة نجم
- مصر المهزومـة ، للصباغ
- كشف حساب ( الملفات المنفصلة المتشابكة) – ما بعد مسرحية مصر والجزائر ، لابن عبد العزيز
- كثير من الرؤى .. قليل من الوضوح ، لأحمد مهنى
- محاولة يائسة لفهم ما يحدث ، لربة السيف و القلم
- كلمة حق ، لنهر الحب
- محدش يزعل منى ! ، على مدونة صعبان عليّ حالنا
- المسلمون والعشر الأوائل: مصر, الجزائر, غزة ,الأقصى ، على مدونة Clear Deep Thinking
- شياطين الصحافة والفضائيات ، لباشمهندس راجي
- واشتعلت الفتنة ، لمحمد الشوربجي
- الانتمـــــاء ، لبثينة
- المقال للجزائريين و المصريين علي حد سواء ، لياسمين مدكور
- الموضحة ، على مدونة فتات من كلام
متى نتحمل مسؤولياتنا ؟
و في النهاية لم يبق لي سوى أن أتساءل ، يبدو أن انجرافنا وراء الإعلام كان بحثا عن سعادة مزيفة و عن انجاز سهل المنال ، فلماذا نضع سعادتنا و مقدراتنا بين أقدام بعض اللاعبين ، بينما يمكننا أن نحققها بأيدينا و في قلوبنا ؟
متى نتحمل مسؤولياتنا ؟
...
كل عام و أنتم بخير ، نحن مازلنا في الأشهر الحرم ، التي بدء القتال فيها من الكبائر ، و نعيش أفضل عشرة أيام في السنة ، و أتمنى أن يكون ذكرنا لله فيها كذكرنا لكرة القدم أو أشد ذكرا ، و لا حول و لا قوة إلا بالله .
* اللوحة للفنان محمد حجي