22 نوفمبر 2009

متى نتحمل مسؤولياتنا ؟

متى نتحمل مسؤولياتنا ؟ المباراة الفاصلة

وجدني أحد الأصدقاء أعمل حتى وقت متأخر يوم المباراة الفاصلة ، فبينما خلت معظم المكاتب في وقت مبكر جدا نسبيا وجدتها أنا فرصة للتركيز فيما يقتتل الناس للتمركز المبكر أمام الشاشات بأنواعها : الصغيرة منها و العملاقة .

قال صديقي : مش تلحق تروح تشجع المنتخب ؟

قلت له : حانزل قبل الماتش بحاجة بسيطة ، أو حتى مع بدايته ..

قال لي : معقول ؟ انت مش وطني ولا إيه ؟

فقلت ضاحكا : أنا أحمد الله انه عافاني من حاجتين : إدمان السجائر ، و تعصب الكرة !

أما الوطنية بالنسبة لي فمجالها مختلف ، و لم أجد غضاضة قبل مباراة القاهرة أن أقول أن وصول أي من الفريقين لكأس العالم يستوي عندي ، و أنني أحب الجزائر حقا ، هي جزء من بلادي ، و شعبها أهلي .

مرحلة اللاعودة

لا أخفي أن تصاعد الأحداث من الجانبين بدا لي مدهشا بحق ، أنا أعرف جيدا عصبية لقاءات فرق شمال أفريقيا في كرة القدم ، و مع ذلك لاحظت مبالغات إعلامية لا مثيل لها من قبل ، مبالغات لا يمكن أن تكون عفوية ، و تنذر بعواقب وخيمة ، بغض النظر عن نتائج المباريات .

و في النهاية وصلت الأمور لمرحلة اللاعودة ، و أصابني حزن عميق لما أرى و أسمع من الجميع على الجانبين ، و أعترف بإحساسي بخيبة الأمل ، و إن لم أندهش لإمكانية حدوث هذه النوبة الهستيرية من شعوبنا (كما وصفها د. جلال أمين) ، و لكن صدمت في ردود أفعال النخب إلا من رحم ربي .

ماذا أقول؟

فكرت قبل المباراة الأولى في الكتابة عن الجزائر و إحساسي بها ، و ماذا تمثله لي بلدا و شعبا ، فإذا بي أقرأ المقالات الجميلة هل حقا يكره الجزائريون مصر والمصريين؟!! ، و فى حب مصر والجزائر

تمنيت بعدها أن أجد تجميعا للمقالات التي تتناول الموضوع من زاوية عقلانية ، و وجدت أن إسكندراني مصري قام بمجهود رائع في هذا الصدد ، من خلال مجموعة موضوعات متتالية : 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، 6 ، 7 .

بحثت في وسط كم مهول من الأغاني الوطنية التي تحولت بفعل فاعل من أغاني حماسية حربية إلى أجهزة شحن عاطفي تقنع الجماهير أن نتيجة مباراة كرة قدم هي "نصر" و ليست "فوز" ، بحثت فيما يذاع و يؤلف و يبث عن صوت للتعقل فلم أجد إلا محاولة من أحمد مكي في أغنية فوقو ، و لم يسمح بالإذاعتها على أية قناة معروفة على حد علمي المتواضع في هذا المجال .

و الآن و بعد الأحداث الأخيرة فكرت في أن أتحدث عن إحساس المصري العادي بما يحدث ، أو عن نظرية المؤامرة التي تريد أن توقع العداوة و البغضاء بين أبناء الأمة ، أو عن فقه الفتنة ، أو عن الدور المشبوه لرموز الإعلام المصري خيبهم الله في الشحن الجماهيري ، و غير ذلك الكثير ، و لكنني وجدت الكثير من الآراء المستنيرة ، أشكر أصحابها ، و أضعها هنا تقديرا لها :

متى نتحمل مسؤولياتنا ؟

و في النهاية لم يبق لي سوى أن أتساءل ، يبدو أن انجرافنا وراء الإعلام كان بحثا عن سعادة مزيفة و عن انجاز سهل المنال ، فلماذا نضع سعادتنا و مقدراتنا بين أقدام بعض اللاعبين ، بينما يمكننا أن نحققها بأيدينا و في قلوبنا ؟

متى نتحمل مسؤولياتنا ؟

...

كل عام و أنتم بخير ، نحن مازلنا في الأشهر الحرم ، التي بدء القتال فيها من الكبائر ، و نعيش أفضل عشرة أيام في السنة ، و أتمنى أن يكون ذكرنا لله فيها كذكرنا لكرة القدم أو أشد ذكرا ، و لا حول و لا قوة إلا بالله .

* اللوحة للفنان محمد حجي