25 أبريل 2009

الخوف – أو رسالة إلى الدكتور رفعت إسماعيل

الخوف

كنت أفكر في الخوف و أنواعه ، و ألحت على ذهني أنواع بعينها من الخوف قد يعاني منها كل الناس ، و تخيلت أن السلوك العدائي لشخص ما قد يكون بسبب خوفه من التعرض لأذى ما ، فيحاول بعدائيته أن يدافع عن نفسه ، و عليه قد يكون السبيل لتجنب الدخول في دائرة الخوف-العدائية بإزالة أهم أسباب الخوف ، و لكن هل يمكن ذلك ؟

الخوف أو رسالة إلى الدكتور رفعت اسماعيل عند هذا الحد تذكرت رسالة كنت قد كتبتها منذ عدة سنوات – صدق أو لا تصدق – إلى الدكتور رفعت إسماعيل ! و هو – للقليل ممن لا يعرفه – أشهر شخصية مرتبطة بالرعب في العالم العربي .

لم أتلق ردا أبدا على تلك الرسالة ، و ربما يكون السبب في هذا هو طولها البالغ ، و ربما كان بسبب "عملية خرقاء لتهيئة القرص الصلب" !

على كل حال لا أجد بأسا من نشرها هنا بعد هذه السنين - بلا تعديل كما يلاحظ من الأسلوب ، و ربما أتاح هذا الفرصة للدكتور رفعت إسماعيل أو الدكتور أحمد خالد توفيق لقراءتها ، و ربما الرد عليها !

و بعدها أحب أن أسألك عزيزي القارئ : و ما هي أسوأ مخاوفك أنت ؟

الرسالة

دكتور أحمد ، السلام عليكم و رحمة الله

تحية طيبة و بعد ، أود أن أعرب عن شكري و تقديري لإبداعك المتميز ، و أود كذلك أن أعتذر لك مقدما عن طلبي – و الذي أطلبه بدون سابق معرفة – و هو أن توصل الرسالة التالية للدكتور الفاضل رفعت إسماعيل ، و لك مني جزيل الشكر و الامتنان .

ملاحظة: سأكون في غاية الشكر لو تفضلت بإعلامي أن الرسالة قد وصلت بالفعل للدكتور رفعت .

أحمد كمال

عزيزي الدكتور رفعت ، السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

كيف حالك يا دكتور؟ أرجو أن تكون صحتك بخير .

الحقيقة أنا محرج جدا من دكتور أحمد لأني أرسلت إليك على عنوانه ، و لكن العتاب عليك أنت يا دكتور رفعت ! أعتقد أنه من الأفضل الحصول على عنوان بريد إلكتروني مستقل لك ، و على الأقل يمكن لأحد أصدقائك أو تلاميذك المقربين أن يقوم بمهمة طباعة البريد لك مثلا . أنا أعرف أنك غير معتاد على استخدام الكمبيوتر و الإنترنت ، و لكن الموضوع فعلا بسيط ، و قد رأيت العديد من الأقارب و المعارف كبار السن ممن تعلموا و اعتادوا التواصل عن طريق البريد الإلكتروني ، أي نعم لا أحد منهم قد تجاوز الثمانين – ربنا يعطيك ألف صحة – و لكنهم ينتمون إلى نفس الجيل الذي يرى في الكمبيوتر لعبة أطفال معقدة .

المهم إني أردت أن أكتب إليك من قبل عدة مرات ، و لكني ترددت لخوفي من أن تكون رسالتي غير مهمة لك ، و كذلك فكرت في مقابلتك ، و لكني وجدتها مهمة أصعب ! فيبدو أنه علي أن ألتقي بالمؤلف أولا و أقنعه بأهمية لقائنا ، و لا أعرف ما سيكون رأيه ، و لذلك وجدت أن الرسالة أفضل بالرغم من كل شيء .

أظن أني قرأت جل قصصك عن ذكرياتك الغريبة ، و هي تتعلق بما وراء الطبيعة ، و هي ارتبطت لدى القراء بالرعب بأنواعه التي قمت بشرحها من خلال القصص ، و مع ذلك أعتقد أنك لم تذكر أكثر القصص رعبا لديك . أشعر بهذا و أفهمه ، و لكني لا أعرف سببه . قد يكون هذا شفقة منك على صغار القراء ، بل و على الشباب خوفا عليهم من أن يسيطر الرعب على حياتهم ، و إنك لقادر على ذلك بالفعل . و قد يكون السبب أنك مازلت خائفا من هذه القصص رغما عنك ، أو قد يكون هذا الخوف مرجعه إلى المؤلف ، و أنا لا أريد أن أذكره في غيبته ، و لكنك تفهم أنه مختلف عنك يا دكتور رفعت ، فبرغم كل شيء هو لديه الكثير مما يخاف عليه ، بعكس شجاعتك الناتجة عن عدم وجود ما تخاف عليه – و اعذرني لصراحتي .

الرعب الذي أتحدث عنه و الذي أظن أنك تجنبت الحديث عنه كثيرا هو الرعب الحقيقي الذي قد يصيب أمثالي من الناس العاديين ، الرعب الذي لا يحتاج أن أسافر إلى اسكتلندا أو رومانيا أو حتى كفر بدر ، الرعب الذي قد يصيب الإنسان و هو يسير في الشارع في الظهيرة ، الرعب الذي يصيب الإنسان و هو وسط أحبائه ، الرعب الذي يسيطر على الإنسان و هو يتابع التليفزيون !

الرعب الذي أتحدث عنه ليس نوع واحد و لكن أنواع كثيرة ، و أعرف يقينا أن شخصا مثلك و بمثل تجاربك و علمك و خلفيتك الثقافية ، لابد و قد تعرض إليهم ، بل و له معهم خبرات مثيرة ، يهم الكثيرون أن يعرفوها .

لعلي قد أطلت عليك ! و أنا أعرف أنك سريع الملل ، و أعرف كذلك أنك فهمت ما أريد أن أقوله ربما من السطر الأول ، و لذلك سوف أتركك الآن في سلام .

لا أعرف لماذا يلح علي خاطري الآن أنه ربما يجب علي قبل أن أختم رسالتي إليك أن أوضح قليلا من الأمثلة التي تحضرني الآن من أنواع الرعب الذي أقصده ، و إن كنت أعلم أنك قد ترى في هذا استطراد لا فائدة منه !

  • إن الرعب يحدث في الحرب ، لابد أنك قد عشت هذا من خلال معاصرتك لعدة حروب عربية مع إسرائيل ، و هذا يحدث لنا الآن أيضا في فلسطين و العراق و السودان ، و حدث من قبل في لبنان و الكويت و غيرهما ، إن خبرة مروعة كهذه في رأيي مرعبة أكثر من كل الشياطين ، و جنرالات الحرب قد يكونوا أكثر إرعابا من مذؤوبي و مصاصي دماء العصور الوسطى .
  • إن الرعب من الغضب الأعمى للغوغاء مرعب أكثر من الزومبي في أمريكا الوسطى ، القوة الكاسحة للجموع التي تتحرك بلا عقل تجمد الدماء في عروق أبراكساس نفسه ، و لعل التجاء وحوش القصص المسكينة إلى الظلام هو في الأساس خوفا من الإنسان .
  • إن الرعب من مواجهة مبادئك في اختبار مفاجئ قد يحيل حياتك إلى جحيم ، إنها اللحظة التي تكتشف فيها أن شعاراتك و قناعاتك تتهاوى مع أول حفنة مال أو أول كف من يد الصول بسطاويسي ! هل جربت يوما أن تخون من ائتمنك تحت الضغط ، أو أن تتخلى عمن تحب ساعة الشدة ؟ هل خفت يوما من مواجهة نفسك في ساعة لا يراك فيها أحد ؟
  • إن الرعب مما يصيبك من الناس مخيف أيضا ، إنه الرعب مما يقولونه وراء ظهرك ، ومما يدبرونه ، و الرعب خاصة من اللحظة التي تنتظرها و تتوقعها ، والتي سوف يواجهونك فيها بما أخفوه قبلا ! إن ما يكنه الناس عنك في صدورهم و ما ينوون فعله لهو مرعب حقا .
  • إن الرعب من انحراف الناس أيضا مخيف إلى أقصى حد ، فالتعامل مع المجرمين و المنحرفين وارد في كل لحظة ، و الكثير منا تعرض له بالفعل . هل تذكر اللحظة التي طلب منك رجل ما – يبدو عاديا جدا بالمناسبة – طلب منك المحفظة أو الساعة ، أو حياتك ؟ هل تذكر اللحظة التي رأيت فيها فتاة تتعرض للتحرش من شلة منحرفين ؟
  • و قريب من هذا رعب التعرض للمخدرات ، سواء كان هذا بالتعامل مع المدمنين أو بتحولك أنت نفسك إلى عبد لها ، و الأخطر أن تكتشف أن أحدا من حولك مدمن بالفعل ! و المأساة الحقيقية في سبب هذا الإدمان .
  • إن الرعب عند مواجهة القوة الغاشمة التي تهدد وجودك ذاته لا نظير له ، إنها اللحظة التي تجد نفسك فيها تحت رحمة الناظر الذي قالوا أنه قتل طفلين من قبل ، و أنت تعرف أنه مصمم ألا يتركك إلا بعد أن يترك ندبة في شخصيتك ، أو اللحظة التي تجد نفسك فيها تحت رحمة رجل "أمن" أفهموك في صغرك أن مهمته أن يحميك ، و صرت تتجنبه لمعرفتك أن أقل ما في إمكانه أن يحتجزك مع حثالة المجتمع للتشفي فيك لعقدة ما لا تعرفها ، و قد يكون في إمكانه ألا يتركك إلا بعد أن يترك ندبة في بدنك !
  • إن مواجهة المجتمع و سلطته بفكرة ما تؤمن بها و تعمل من أجلها قد تحولك إلى تابوو حقيقي يحمل نوعا فريدا من الرعب ، إن عداء المجتمع أو الحكومة لفكرتك قد تحولك إلى نموذج يتصعب عليه الناس بقدر ما يبتعدون عنه ، حتى و إن كانوا مؤمنين بنفس الفكرة . و لعمري إن العزل و النبذ في المجتمع لمن أبشع المرعبات !
  • إن الرعب من الأسلحة النووية رعب حقيقي و قائم ، و هو يختلف عن رعب حياة الحرب نفسها ، فهو يتعلق بالتهديد المباشر أو المبطن ، و يتعلق أيضا بالخوف من التسرب النووي ، و الإهمال في التعامل مع المنشئات ، و مثله الخوف من الأسلحة البيولوجية و الكيميائية التي تحسسك أنه ليس في إمكان أحد تجنبها بموقف إذا تعرض لها ، و لكن يمكنك فقط التعامل مع آثارها .
  • إن الرعب من الوضع و المستقبل السياسي المضطرب في أي بلد يحيل الحياة جحيما ، هل تذكر اللحظة التي انتظرت فيها التغيير و خفت منه ، و اللحظة التي طلبت فيها إصلاح المشاكل التي هي أصلا جزء من نسيج حياتك ؟ هل تذكر اللحظة التي فقدت فيها الاتجاه و المعالم ، و أحسست أنك و كل ما تعرف تسير نحو المجهول ، و أنه لا سبيل إلا الهروب ، سواء كان هذا الهروب بالسفر أو الإدمان أو الشعر أو تحضير الأرواح ؟
  • إن الرعب من نفسك التي بين جنبيك و المصير الذي ستذهب إليه لهو أشد أنواع الرعب ، فأنت لا تدري إلام يؤدي بك ما تفعل الآن ، و لا تدري نتيجة قراراتك حتى بالنظر إلى الحسابات التي أجريتها ، و الأدهى أنك لا تعرف ما قد يطرأ عليك في الأيام القادمة و يجعلك تلف الدفة 180 درجة .

...

دكتور رفعت أعرف أني قد أطلت عليك بالفعل ، و أرجو ألا أكون أنا آخر من يقرأ كلماتي هذه ، و لكني أرجو أن تكلم الناس عن الرعب الحقيقي ، الرعب الذي عشته أنت و الناس جميعا ، و الذي سيكون معينا لهم على فهم أنفسهم و العالم بشكل أفضل .

و تفضل بقبول فائق التحية ، و السلام عليكم و رحمة الله .

أحمد كمال

* اللوحة للفنان محمد حجي


تحديث : الدكتور أحمد خالد توفيق يرد على الرسالة

18 أبريل 2009

المنطقة الرمادية

المنطقة الرمادية اندفعت الخواطر تهاجمه ، و لكن وطأة اللحظة فرقتها ، فصار لا يعرف أيستعين بما يهاجمه على ما يسكنه ، أم يدفع عن خاطره كلاهما ؟

كان يصارع واقعا آلمه ، كان الألم جارحا ، و لكنه اعتاده شيئا فشيئا ، صار بعضا منه ، و أصبح اختياره أن يعيشه . ثم جاءت تلك الأسئلة ، هزت استقرار الواقع ، و كشفت أن الواقع ليس قدرا محتوما ، و إنما اختيارا إنسانيا جديرا بالمحاولة و التجريب .

...

تحدث إلي صديقي الذي أعرفه منذ سنين طويلة كما لم نتحدث من قبل ، ربما هي إحدى المرات القليلة التي يمس فيها الحديث قلبه ، و قلبي ، نظر لي بعينين مليئتين بالحيرة و الأسئلة ، لم أعد أنظر إليهما ، و إنما إلى تردده و ضيقه ، و هو يسألني أسئلة لا أحسن الرد عليها .

و تذكرت حينها حيرتي و دهشتي في مواقف و مشاكل لا أعرف كيف أتعامل معها بالشكل الأمثل ، و المذهل أن تكرر هذه المواقف لا يزال يسبب الصراع .

عادة ما تكون هذه المواقف ناتجة عن الضياع بين المسموح و المرغوب ، إنها المسافة بين الواقع و الأمل ، أو المساحة التي يمتزج فيها الرأي و الهوى بالواجب و المفروض و ما تمليه الظروف ، إنها تلك المنطقة الرمادية التي تتشابه فيها الألوان فيختلط المفروض بالواجب ، و المسموح بالمتاح ، و يتساءل الإنسان لما قد يثقل الضمير بما يمليه الواجب ؟

...

عدت من أسئلتي الحائرة إلى حيث أسكن على ضفاف اليقين ، تذكرت صديقي و حديثي المرسوم بالأبيض و الأسود ، حيث تتضح المعالم ، و تتمايز الأشياء ، ثم قارنت هذا بتعاملي مع الواجب ، و تقبلي للظروف ، حين أتجاوز المفروض قليلا ، باستنفاد المتاح ، في ظل مساحة ضيقة من المسموح ، بحثا عن الأمل ، و في محاولة لتغيير الواقع ، و إرضاء للضمير .

 

* اللوحة للفنان محمد حجي

 

* أعتذر عن الغياب لفترة طويلة ، و أسأل الله أن يوفقني للعودة و الانتظام قريبا