صحوة مفاجئة تمر بي ، أتفحص في الوجوه المحيطة ، لأجدني أفتقد الحقيقة .
كان وعيي يتشكل ببطء و أنا أنتقل من منطقة الأحلام الرمادية إلى ملامح الحياة بألوانها ، باهتة كانت أم زاهية ، رحت أتطلع بشوق إلى وجوه أفتقدها ، لم تكن العودة مجرد صحوة من النوم ، و إنما كانت انبعاثا إلى حياة .
مرت الشهور بعيدا عن رحايا العمر ، افتقدت وجودي هنا ، و فكرت كثيرا في العودة ، و لكن الوقت المناسب لم يجئ بسرعة ، و أقلقتني فكرة تعقد الحياة بشكل لا يسمح لنا أحيانا بممارسة ما قد نعتبره حقا لنا أو للآخرين ، أو واجبا علينا أو على الآخرين .
...
ماذا كنت أفعل ؟ عمل و سفر و فرح و موت و ميلاد .. و هل يمكن تلخيص الحياة ؟
و على كل فإن بعض الأحداث لا يمكنني أن أغفل ذكرها :
- كانت العمرة رحلة هامة و جميلة ، حملت من الهبات و النعم ما يفوق إدراكي ، فهمت خلالها بعض أقنعة الحياة ، و قابلت فيها أخا عزيزا و كريما من المملكة السعودية هو الأخ علي محمد .
- ظننت دائما أنني سأشهد حفل توقيع أول كتاب لصديقي المهندس أحمد القاضي ، فإذا بالكتاب ينشر و ينتشر ، و أغيب أنا .
- كانت زيارة أطفال أبو الريش و ذويهم مع المدونين واحة وسط صحراء البعد ، و امتزجت الفرحة بالخجل لأنني شعرت وسط المدونين أنني لم أبتعد أبدا .
- حمل إلي رمضان وعدا متجددا بالرحمة و المغفرة ، و رحل و أنا مسرف لا أقنط من رحمة الله .
- كانت التعليقات و الرسائل و المكالمات التي أتلقاها من وقت لآخر تحمل إلي نسائم رحايا العمر ، و تجعلني أسأل نفسي دائما عن موعد العودة .
جري الإنسان
أحيانا أنظر إلى نفسي و إلى الناس من حولي لأجدنا نجري في كل اتجاه ، كلنا نجري في اتجاهات مختلفة ، كل منا يحمل في يده أشياء مختلفة ، أو يدفعها أمامه ، أو يجرها خلفه ، أو يحملها فوق ظهره !
تتقاطع الدروب فنصطدم في الطريق و نسقط ، ثم نقوم لنجري و نتعب ، ثم نجلس لنرتاح ، و لا نرتضي الراحة فنقوم من جديد و نجري .
في الطريق نبحث عن الأحلام ، أو عن السعادة ، أو عن الحرية ، نبحث عما لا نعرفه ، و لكننا لا نرتاح طالما لم نجده بعد . يدق كل منا أبواب عديدة تقابله في الطريق ، ليفتح لنا أناس أغراب ، نتفحصهم و نبحث لديهم عما نريد ، و بمعرفتهم نكتشف أن الرحلة لم تنته ، و نبدأ البحث من جديد .
لا أحلام فرويد و لا قوة نيتشة و لا نسبية أينشتين و لا اقتصاد ماركس و لا أية نظرية إنسانية تفسر سر جري الإنسان المستمر ، بينما ترن في أذني كلمات " يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " ، و أتعجب من معنى الكدح ما بين التعب و الجهد و الكد و العمل و السعي و العودة ..
فما رأيك أنت ؟ لماذا يجري الإنسان ، و إلى أين ؟
* اللوحة للفنان محمد حجي