تناولت القصص السابقة أحداثا ثابتة في تاريخنا ، شاء الله أن يحفظها لنا لكي توضح لنا سننه في الأمم ، و من معانيها :
1- لن تهبط معجزة من السماء تلبية لدعواتنا الحارة ، بل سيتحقق الوعد على أيدينا نحن ، أو على أيدي من سيستبدلنا الله بهم .
2- الثبات و الصبر يؤديان للنصر ، بغض النظر عن الظروف المحيطة .
3- تدور الدوائر دائما على المدبرين و المتخاذلين .
4- الصراع القائم عقائدي في الأساس ، و روح المقاومة هي المستهدفة .
5- الأغلبية الصامتة لا قيمة لها ، و لكن التخطيط و التنسيق أساس للنجاح .
و الآن تشبه اللحظة الراهنة ، بكل تجلياتها و مفارقاتها لحظة سقوط الأندلس ، أو بالتحديد لحظة سقوط آخر معاقل الإسلام هناك ، و لكن كيف كان هذا السقوط ؟
لحظة سقوط
انقسمت الدولة العظيمة إلى دويلات ، و إمارات ، و ممالك ، و برزت عصبية قبلية شديدة بين هذه الدويلات ، فثارت المشاكل و النزاعات بينها لأتفه الأسباب .
و تنافست الدويلات فيما بينها ، فكانوا ينفقون مقدراتهم على مظاهر الأبهة و العزة ، و عمد كل منهم إلى التحالف مع الأعداء للانتصار على بني دينه و جنسه ، و غلّبوا تنافسهم على مصالحهم ، فاستفاد الأعداء منهم في المجالات الاقتصادية ، و العلمية ، بل و في التنسيق الحربي أيضا .
و مما يدعو للعجب قيام الدويلات العربية الإسلامية بدعم أعدائهم اقتصاديا و سياسيا ، و تآمرهم على بعضهم البعض ، و تحاربهم ، و أنهم سهلوا لأعدائهم الحصول على حصون و مواقع لحماية الدويلات من بعضها البعض ، مما سهل للأعداء مهمة ابتلاعهم دويلة فأخرى .
و لم تتبق للعرب سوى راية وحيدة في الأندلس ، و لم تسقط هذه الراية لزمن طويل جدا ، إلا عندما جاءت الخيانة من داخلها ، فكان فريق من أهلها يعين المحتلين على دخولها ، ليتمكن الخونة من الإمساك بزمام الأمور بمعونة المحتل ! و تزامن هذا مع تخاذل جميع الدول الشقيقة لمملكة غرناطة .
...
من الجدير بالذكر أن الخونة لم يكن حظهم بأفضل ممن خانوا ، و أن الدائرة دارت على المتخاذلين جميعا ، و أن الخسارة الأساسية كانت عقائدية ، و لم تقم للإسلام دولة في الأندلس بعدها أبدا .
لا شك في أنها قصة عجيبة ، و لكنها للأسف تتكرر اليوم بحذافيرها ، فبلادنا ممزقة في دويلات ، بعضها محتل عسكريا ، و بعضها تابع صريح للأعداء ، تنتشر القواعد العسكرية الأجنبية لتحمي الأنظمة من بعضها ، و لتثبت العروش رغما عن الشعوب ، و تكبلنا اتفاقيات و معاهدات مع أعدائنا تكرس فرقتنا ، و نستثمر الأموال في الخارج ، و نتنافس و لا نتكامل !
لحظة صعود
لم تكن لحظة سقوط الأندلس هي أحلك فترات التاريخ سوادا ، فلقد عاشت أمتنا فترة أخرى كانت أكثر سوادا .
قامت مختلف الدول الأوربية بمهاجمة بلادنا ، و احتلال أراضينا ، و كان العامل الحاسم و الأهم الذي أدى لنجاح الأعداء هو تفكك الأمة إلى دويلات متناحرة ، بالإضافة إلى انشغال العلماء بخلافات مذهبية في صغائر الأمور ، و غرق الحكام و المحكومون في غفلة الشهوات و الشبهات .
لقد كان سقوط القدس علامة على مدى ضعف و تشرذم المسلمين و العرب ، و مع ذلك بدأت الروح تدب في أوصال الأمة الضعيفة التي تمرض و لا تموت .
بدأ الأمر بصحوة فكرية تستلهم أفكار الإمام الغزالي و غيره من العلماء ، فأنشئت مدارس تربوية تهدف إلى إيجاد جيل جديد من العلماء و المربين الجادين ، و إحياء الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و الاهتمام بتهذيب النفوس و الترفع عن الشهوات ، و محاربة الخصومات المذهبية ، و ترك القضايا الخلافية التي تفتت الأمة ، و كان هذا كله تمهيدا لإفراز سياسيين و عسكريين على وعي بقضايا أمتهم .
و قد أثمرت هذه المدارس قادة في كل المجالات – و كان من بينهم صلاح الدين الأيوبي ، و بعدما كانت الرايات القومية هي محور التفاف الشعوب ، أصبحت الرايات المرفوعة تنتسب إلى الإسلام ، و تسمى الولاة عماد الدين ، و نور الدين ، و صلاح الدين ، و أسد الدين ، الخ .
و قد تجلت علامات الإصلاح في زهد هؤلاء القادة ، و نشر العدل ، و محاربة الظلم ، و حرية الرأي .
أما نتيجة هذا الصعود فهي معروفة للجميع من تألق مبهر جديد للأمة .
اللحظة الفاصلة
و اليوم نقف في مفترق جديد للطرق ، و يتجدد الاختيار أمامنا ، ليكون ما يحدث و ما نعانيه جميعا هو لحظة سقوط فاصلة ، أو لحظة صعود جديدة .
و أقول أن اللحظة ستكون فاصلة لعدة اعتبارات :
1- لقد اجتمعت شعوب الأمة من أقصاها إلى أقصاها على اختيار المقاومة ، لما ثبت لها من تجارب عبر ما يقرب من قرن من الزمان .
2- وحد هذا الاختيار الأمة ، رغم تشرذم قادتها ، و لا تجتمع الأمة إلا على خير .
3- حرب غزة (معركة الفرقان) هي أول حرب تحت راية إسلامية في العصر الحديث كله .
4- حرب غزة هي اختبار هذا الجيل ، مثلما تمثلت اختبارات الأجيال السابقة في النكبة ، و النكسة ، و غيرها ، فلو سقطت غزة – لا قدر الله – فقد تجري علينا سنة الاستبدال كما جرت على من كانوا قبلنا .
أسئلة اللحظة
من خلال قراءة و سماع ردود أفعال عموم المسلمين في كل مكان على حرب غزة ، سنجد أن الأسئلة كلها تدور على المحاور التالية :
1- إحساس عام بالعجز ، و قلة الحيلة ، و أحيانا اليأس
2- ماذا نفعل لنصرة غزة ؟
3- هل العودة للدين و التمسك به هو المطلوب ؟ أم أن التركيز على التقدم الاقتصادي و العلمي يمثل حلا ؟
4- هل الحكومات على خطأ ؟ و هل يجب علينا الثورة ضدها ، و الانقلاب عليها ؟
و لا يمكن إجابة هذه التساؤلات إلا انطلاقا من قاعدتي : و أعدو لهم ما استطعتم من قوة ، و إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
إن أبناء فلسطين هم أول صفوف الرباط ، و علينا نصرتهم ، مع العلم أن القضية تخصنا جميعا ، و أنهم لا ينوبون عنا في جهادهم ، فواجب كل منا نحو القضية هو بذل كل ما يستطيع ، و لن يتنزل نصر الله إلا إذا بذلنا كل المستطاع فعلا ، فمثلا إذا كان في حوزتي عشرة رصاصات ، و لم أضرب إلا خمسة ، فقد قصرت في أداء واجبي ، و هكذا ، كما أن التغيير لابد أن يكون جماعيا ، تشارك فيه كل الأمة رجالا و نساء و أطفالا ، كل بما يقدر عليه في موقعه ، و تغيير النفس يشمل تغيير الأفكار ، و القيم ، و الثقافات ، و الأولويات ، و الاتجاهات ، و العادات ، و التقاليد .
و لكن ..
ما هو دورك لتحديد ملامح اللحظة الحالية ؟
فيما يلي مفردات دور كل منا لخلق لحظة صعود ، و تفادي السقوط ، و هذه الواجبات يجب أن تؤدى بالتوازي ، و لا توجد عوائق لأدائها ، و سنسأل عنها أمام الله تعالى ، فعدم التزام الآخرين بها ليس مبررا على الإطلاق لتركها .
دورك هو :
1- إصلاح نفسك ، و زيادة إيمانك ، بما يشمله هذا من إقامة الصلاة ، و قراءة للقرآن ، و حتى الأمر بالمعروف ، و النهي عن المنكر ، و يمكن الرجوع لسورة الإسراء لدراسة منهجا كاملا للإصلاح .
2- نشر المفاهيم الصحيحة حول القضية ، و يمكن الرجوع لمدونة مهندس مصري حول هذا الموضوع ، كما يمكن قراءة هذا الكتاب الرائع .
3- استلهام نماذج التضحية الفلسطينية لإصلاح مجتمعنا ، فشغل الوقت بالقضية ، و بذل المال و الدم و راحة البال ثمن بسيط مقارنة بتقديم النفس و الولد كما نرى في فلسطين .
4- عليك أن تتبنى حملة لدعم فلسطين ماديا بين أفراد أسرتك ، و أقاربك ، و جيرانك ، و تذكرهم بواجبهم شهريا ، و تكون مسئولا عن أن يكون هذا الدعم مستمرا .
5- الدعاء المستمر ، و الشعور بأنك تحمل هذا الهم ، و تعمل من أجله .
6- محاربة المفاهيم السلبية مثل اليأس من التحرير ، فما فسد في سنوات لا يصلح في أيام .
7- كشف الخداع الإعلامي ، فالجهاد ضد المحتل ليس إرهابا ، و القضية ليست فلسطينية ، و هكذا .
8- تفعيل مقاطعة اقتصادية نفعية شاملة و دائمة لمنتجات أعدائنا .
9- توجيه الرسائل ، و التعبير عن موقفك بكل الطرق السلمية الممكنة ، لإرشاد الحكام و الضغط عليهم .
10- العمل على الإبداع و التفوق في مجالك ، و تذكر أنك على ثغر من الثغور ، فلا يؤتى الإسلام من قبلك .
بالله عليك اعمل بهذه الواجبات ، و انشرها ، إن كنت تظن أن بها خيرا ، و اترك النتائج لله سبحانه و تعالى .
اللهم قد بلغت ، اللهم فاشهد
* اللوحات للفنان محمد حجي