02 مايو 2008

حوار بين طفل ساذج و قط مثقف

"كانت خصلات شعري شديدة النعومة عميقة السواد ، و كان للقط شعر فضي أشيب يميل إلى الصفرة ، و قد أوقعني الفارق بين اللونين قي البحر فلم أفهم ، ليس سهلا على الجزء الطفل من سواد الليل أن يفهم حكمة البداية الأولى للفجر .. لابد أن يدخل الشعر الأسود دورة الويل و يتحول إلى البياض لكي يفهم .."

قرأت هذا الكتاب للكاتب المبدع أحمد بهجت منذ ما يزيد عن عشرين عاما ، كنت إنسانا آخر حينئذ ، لم أكن قد تعلمت شيئا بعد – باعتباري قد تعلمت الآن ! – و قد كان هذا الكتاب علامة في ثقافتي ، و عندما أراه في مكتبتي من وقتها و حتى اليوم لا أقاوم أن أتصفحه ، و أعدت قراءته كاملا مرات عديدة .

طفل ساذج و قط مثقف هذا الكتاب لا يقارن عندي إلا بالقصة الأسطورية الأمير الصغير ، فعلى قدر بساطة أحداثه و كلماته فهو ملئ بأفكار و أحاسيس لا يفهمها إلا من عاشها ، و هو كذلك يذكرني بقصائد ت. إس إليوت عن القطط !

و قد أتيح لي أن أقرأ هذا الكتاب و أنا طفل ساذج أيضا ، و أتعجب عندما أقرأه الآن من أن الأسئلة السهلة و المباشرة هي فقط ما نحصل عليه في رحلة العمر ، أما ألغاز الحياة و الموت و الحب و الألم و غيرها الكثير فتظل أسرار يعجز عن حلها الفلاسفة و الحكماء .

ما هي الخبرة ؟ هل هي مهارة التعامل مع الأشياء و الأشخاص؟ و ما هي الحكمة ؟ هل هي القدرة على إعادة صياغة الأسئلة بشكل معقد ؟ و من هم الكبار ؟ هل هم القادرون على الكسب و على التعامل مع غيرهم من "الكبار" ؟

"قال القط : الكذب هو ابن الإنسان .. من بين جميع المخلوقات التي خلقها الله فإن أشدها تغيرا تحت ضوء القمر هو الإنسان ، و التغير جزء من الكذب ..

قلت : تحابي جنسك من بني الحيوان .

قال : بل أقرر حقيقة .. لا يكذب الحيوان .. يتصرف بدهاء لكنه لا يكذب .. الكذب يحتاج إلى الإنسان .. إلى رقي الإنسان ."

لم يكن الكتاب مغامرات و حوارات ممتعة بين الطفل و القط فقط ، بل إختلطت فيه الحكايات مع الأساطير و الذكريات مع الفلسفة و الإيمان مع الحيرة بالإضافة إلى الكثير من الكوميديا ، فشكلت رحلة استكشاف لأفكار طفل برئ يرى العالم بعيون مندهشة و يكشف زيف كلام و أفعال الكبار و تناقضها مع المبادئ ، كما يفتح نافذة على معنى الفلسفة في عقول الصغار .

"غاظني القط .. و لكنه كان صادقا .. كنت أتبين داخل نفسي – و أنا أصلي – إحساسا بالانتهازية .. إنني أصلي تحت ضغط الحاجة .. تحت ضغط الغرق .. و من يدري هل أداوم على الصلاة بعد أن أنجو إلى البر ، أم أعاود مسيرتي في الجحود .."

من الأشياء الممتعة لي في الكتاب كذلك أنني كانت لي خبرات شخصية كثيرة و صداقات عميقة مع القطط ، و كنت أندهش لتوافق هذه الخبرات مع ما يذكره الكاتب ، و صدق قطه المثقف حين قال "لا تخون القطط إلا إذا جاعت ، و لا تغدر إلا إذا أحست بالخوف و انعدام الأمان" .

كلما تقدم بي العمر و أتيحت لي الفرصة لأتصفح هذا الكتاب الجميل من جديد تعذبني فكرة أنني لم أعد ذلك الطفل الساذج ، و لكنني أنتمي لعالم الكبار أكثر و أكثر .

"عذري أن شعري كان أسود و قلبي كان أبيض ..

حين انداح العذر و غرق ، و تحول الشعر إلى البياض و نضج ، كان القلب يستعير من الشعر نضج لونه الأسود .."

هناك 8 تعليقات:

Miss. Sosa يقول...

عرضك للنقاط التي استوقفتك مثير للاهتمام لقدرة علي توصيل المعلومة بسلاسة
تحياتي

tota يقول...

تعذبني فكرة أنني لم أعد ذلك الطفل الساذج ، و لكنني أنتمي لعالم الكبار أكثر و أكثر
----------------------------
ليه بتعذبك الفكرة دي؟؟
----------------------------
"عذري أن شعري كان أسود و قلبي كان أبيض .. حين انداح العذر و غرق ، و تحول الشعر إلى البياض و نضج ، كان القلب يستعير من الشعر نضج لونه الأسود .."
---------------------------
جملة قاسية في معانيها بس هل هيا صحيحه؟؟ بجد مع العمر بيضيع منا صفاء وبياض القلب
-----------------------
مش عارفة اكتب ايه بس كلمات كتابك بسيطه وعميقه في نفس الوقت شدتني ولفتت انتباهي وحبي للقطط ولطبيعتها جذبني لسطورك
بوست جميل بحييك عليه
سلامي ليك وكل الود

Ahmed Kamal يقول...

@ميس سوسة

أشكرك على التحية الجميلة . نورتي الرحايا

@توتا

مع مرور الوقت نفقد برغمنا و باختيارنا نقاء الطفولة و نتسلح بأسلحة الكبار ، حتى ننظر في المرآة في يوم من الأيام فلا نجد من الطفل القديم إلا ما حافظنا عليه ..

شكرا على كلماتك و زيارتك

Nihal يقول...

إذا ما فقدنا قدرتنا على الإندهاش و حب الإستطلاع و التخيل ،فاننا لن نتمكن من إنجاز أو إضافة الجديد و اللإبتكار فى سائر المجالات ،كما أننا قد إعتدنا القول بأن الصدق منجى و أن الطريق المستقيم هو دئما أقصر الطرق ، و لكن فى زماننا الردىء قد يؤدى ذلك إلى حافة الهاوية ، فلا تكفى النوايا الحسنة حتى نبلغ ما نصبو إلية أو نصبح فى مأمن و لذلك علينا التمسك بأنصاف الحلول - و هى نصيحة قديمة من أحد الاصدقاء_ و قد جربتها ، لان الصدق و الحقيقة الكاملة قد تزعج و تصدم حتى أقرب الناس إليك الذين قد يحاولون نسيانها ، و هم بالتالى لن يغفروا لك إنك لم تفعل مثلهم و تنساها ، و أخيرا أقول إن العمر بالفعل لا يقاس بالسنوات ،و أنا قد قابلت أشخاصا تعدوا الستين من عمرهم و ربما أكثر ، و لكنهم لم يفقدوا يوما مرحهم و تفاؤلهمو براءتهم، و بالتالى تصبح صحبتهم متعة ،كما إنها تجعلنا نتخفف مما يواجهنا فى حياتنا المثقلة بلقلق و المشاكل التى لاتنتهى !

Ahmed Kamal يقول...

@ نهال

واضح من تعليقك إنك كبرتي .. :)

قد يجيد "الكبار" التعامل مع الناس ، و لكنهم كما قلت أنت سيظلون يستمتعون بصحبة "الأطفال" ، حتى من تعدى الستين منهم .

غير معرف يقول...

الحقيقة عرضك للكتاب جميل ما شاء الله. أنا بابحث عنه لكني لم أستطع حتى معرفة دار النشر، فهل ممكن إفادتي ..
لك جزيل الشكر

أع ـقل مـ ج ـنـونــة يقول...

كنت بعمل سيرش عشان اشوف تعليقات عن الكتاب دا
بقرأه حالياَ
عججبني تعليقك
والكتاب فوق الرائع
:)
عشقت القطط من خلال هذا الكتاب
:-)

Ahmed Kamal يقول...

marmad: أنا آسف لم أر تعليقك إلا الآن!! لو كان الموضوع لسه مهم بالنسبة لك ، فالكتاب كان صادر عن الأهرام ، بالتحديد مركز الأهرام للترجمة والنشر..

أعقل مجنونة: نورتيني :))