نشأ من أسرة فقيرة ، و شغله حلمه طوال حياته ببناء وطن أفضل ، عاش هموم بلاده ، و تحمل في سبيل ذلك مشاق كثيرة ، حتى واتته الظروف ليترشح لرئاسة مصر .
هاجمه إعلام الدولة الرسمي لدرء تهديده لمصالح الصفوة المستقرة ، و لكن تاريخ الرجل و معرفة الناس بأولوياته الحقيقية كانت عاملا حاسما .
لم يتوقع أحدا الإقبال الجماهيري الكبير على انتخابات الرئاسة ، كانت صدمة سياسية كبيرة أدهشت المسئولين و المراقبين بل و جموع الناخبين ، لقد اعتادوا جميعا عزوفا شعبيا يعكس حالة إحباط و يأس من حدوث تغييرا سلميا ، و لكن المفاجأة كانت في الأعداد الهائلة التي توافدت على معظم اللجان الانتخابية ، و قام الناخبون بالضغط على كل من يعوق عملية التصويت للقيام بواجبهم الانتخابي ، بل و أجبروا القائمين على الانتخابات بالحصول على حقهم في مصر .
كانت النتيجة أكبر من كل تزوير ، و دارت عيون الخائفين في محاجرها ، إن لحظة التغيير قد أتت على أيادي المصريين ، لقد تغير التاريخ اليوم .
سيادة الرئيس
جاء فوزه بعد معركة كبيرة ضد التزوير ، و إعادة فرز للأصوات ، و وقوف عدد من حارسي العدالة في وجه الظلم .
و كانت تصريحاته الأولى سببا لارتياح شعبي كبير ، بينما أثارت انتباه و قلق و ترقب القوى الإقليمية المحيطة .
علقت إحدى الصحف المستقلة على الحدث بقولها : " رجب طيب أردوغان يحكم مصر " .
لقد كانت سياسته التي صرح بها تذكر الجميع بمواقف رئيس وزراء تركيا الشهير ، و لكن هل يؤكد الرئيس الجديد كلماته بقرارات فعلية ؟
رياح التغيير
حملت الأيام الأولى للرئيس الجديد العديد من المفاجآت السارة للشعب ، فقراراته الأولى ترجمت اهتماما بتطوير الهياكل الإدارية المتداعية ، و مواجهة الفساد ، و إصلاح القضاء ، و لا يخفى على أحد ضراوة الصراع الذي دار في تلك الأيام و الذي طال أمن الرئيس نفسه ، و الذي لم يكن لينجح في مهمته إلا بدعم و حماية الناس الذين آمنوا أن خلاصهم بات يلوح في الأفق .
احتار المراقبون في تفسير ما يحدث في مصر ، فلم يعد أحد يعرف سر حماس المصريين ، هل هو سبب لهذا التغيير أم نتيجة له ؟
كانت قائمة الإصلاح و التغيير و التطوير تطال جوانب حساسة طالما ظلت مواجع مزمنة للمواطنين ، فحالة التعليم مثلا و الأمن الغذائي و الثروة الزراعية ، و الصناعة ، و غيرها الكثير من المجالات كانت كلها تستلزم حلولا جذرية تضافرت فيها جهود الخبراء ، و ظهرت خطط قصيرة الأجل بالتوازي مع خطة الإصلاح الاستراتيجية الطويلة .
كانت الظاهرة الملفتة للنظر هي استجابة آلاف من الخبراء و العلماء المصريين المغتربين للدعوة بعودتهم و المشاركة في بناء وطن جديد ، لقد ظهر جليا أنهم لم يهربوا من بلدهم ، إنما كانوا يبحثون عنه .
كان من شأن التغيير أن تظهر آثاره على الإعلام و الفن ، فقد تحولا إلى أدوات للتعبير عن الأمل و ترشيد الإصلاح ، لم تعد مفردات التسلية و تضييع الوقت هي السائدة ، بل أنتجت العقول أروع نماذج الفن الهادف الراقي التي كانت سببا في الارتقاء بثقافة و ذوق الجماهير .
كان تأثير المرحلة واضحا من خلال النشاط الاقتصادي و التجاري الذي بدأ في النمو شيئا فشيئا بعد فترة الركود و الترقب الذين سادا في البداية خوفا من التغيير .
الأصداء
من الصعب الحكم بأن التغيير في مصر كان ملهما و مشجعا للعديد من البلاد الشقيقة ، أم أن هذه البلاد كانت تمر بنفس الطور ، و على كل حال فبقدر ما كان التغيير سلميا و سريعا في بعض البلاد ، بقدر ما كان أصعب و أشق في بعضها الآخر ، إلا أن السياسات ما لبثت أن تغيرت تدريجيا في المنطقة لتلائم التغيير الحادث و المستمر في ثقافة الشعوب .
و في كثير من الأحيان لم تكن التحالفات القديمة القائمة تخدم هذا التغيير ، و بهذا بدأ عصر سياسي جديد تحكمه مصالح و توجهات جديدة ، و لم تكن المعارك السياسية الخارجية أبسط من إعادة البناء الداخلي ، بل كانت تؤثر فيه سلبا و إيجابا .
فترة جديدة
كان التجديد للرئيس منطقيا و متوقعا ، و برغم أن هذا يعني استقرارا سياسيا ، إلا أن الفترة الثانية شهدت إصلاحات كثيرة تضمن للمؤسسات الديمقراطية استمرار العمل الحقيقي من خلال مبدأ فصل السلطات ، و محاسبة المسئولين ، و تقييد سلطات الرئيس ، و إتاحة تداول السلطة .
تخلصت مصر في خلال هذه الفترة من مظاهر التمييز الطائفي ، فالأغلبية المسلمة (95%) في دولة دينها الرسمي الإسلام لا تحتاج لتشريعات تحمي الإسلام ، و إنما تحتاج لتشريعات تضمن تطبيق تعاليم الإسلام ، و التي تتوج المبادئ الإنسانية التي جاءت بها الأديان جميعا ، و هي أساس العدل و المساواة الحقة .
تألقت القاهرة من جديد كعاصمة اقتصادية و ثقافية و تاريخية ، فبرغم تخوف البعض من اهتزاز عرشها بسبب إنشاء عاصمة سياسية جديدة في صعيد مصر ، فإن انعكاس اتجاه الهجرة الداخلية لأول مرة خلال نصف قرن أتاح للقاهرة فرصة التقاط الأنفاس ، و العودة لتكون بؤرة صنع الأحداث في الشرق الأوسط .
أصبحت المجالس النيابية على جميع المستويات تمثل جموع الناخبين ، و قضى هذا على مراكز القوى و المحسوبية و الفساد ، و أصبحت القرارات تحقق مصالح المجموع لا الفرد ، كما أن الأحزاب النشطة صارت تفرز قادة سياسيين جدد ، يملئون الفضاء السياسي ، مما جعل قرب نهاية الفترة الثانية لا يمثل قلقا بشأن اختيار رئيس جديد لمصر .
ظهرت مشروعات طموحة تعد بإمكانية عودة مصر إلى مكانتها السابقة وسط دول العالم ، و ظهر أثر ذلك جليا على الساحة السياسية العالمية .
لقد غيرت مصر العالم من جديد .
و بعد ..
جال في ذهني هذا الحلم أثناء مشاهدة حوار أحمد منصور مع جورج جالاوي حول قافلة شريان الحياة .
و ياله من حلم !!
ملاحظة : مازال بإمكانك استخراج بطاقة انتخابية حتى 31 يناير
* اللوحة للفنان محمد حجي