27 أبريل 2008

حنين للوطن (2)

حنين للوطن

كنت أتحدث مع صديق لي عندما لاحظ أنني أتحدث بضيق ، و ربما بتوتر عن موضوع السفر إلى الخارج .

قال لي : أنا لا أفهم ، أتريد السفر أم البقاء ؟

قلت : أحيانا أريد السفر ، و لكنني أرى ضرورة البقاء .

قال : ماذا تقصد بضرورة البقاء ؟

قلت : لا أخفي عليك أنني اتخذت قرارا عند تخرجي من الجامعة ألا أقيم إقامة دائمة أو طويلة خارج هذا البلد ، و ذلك لإيماني أن الوضع المتدهور الذي وصلنا إليه إنما يتطلب مجهودات الجميع ، و أن الخروج بغير ضرورة إنما هو هروب من هذا الوضع ، كما أن لبلدنا ضريبة خدمته و بنائه .

قال : كلام جميل ، و لكن ليس كل السفر هروبا ..

قلت : موافق ، و لذلك قلت إلا في حالة الضرورة ، و أنا لست مضطرا ..

قال : إذا لماذا تريد السفر أحيانا ؟

قلت : لأن حلم الهروب لايزال يراودني ! إن الاختيار الأسهل هو أن أكون جزءا من منظومة ناجحة ، و أن أحيا حياة مريحة أنا و أسرتي ، و لن أكرر لك مشاكل بلدنا التي تعرفها جيدا و التي نشكو منها يوميا .

أطلقت بصري بعيدا و أكملت : و في المقابل أفكر دائما فيما أنجزت هنا في بلدي .. هل كان وجودي في هذا البلد جزءا من نجاحه ؟ أي نجاح !؟ هل استطعت خلال كل هذه السنين أن أحقق أيا من أحلامي التي تمنيت أن أكون جزءا منها لجعل هذا البلد مكانا أفضل لأبنائي ؟ هل مجرد وجودي هنا هو عامل بناء ، أم معول آخر للهدم ؟

أطرق صاحبي للحظات ثم قال : إسمع يا صديقي ، إن كنت تعتقد أنك مواطن صالح و شريف ، تعمل من أجل بناء هذا البلد ، و تربي أبناءك على قيم أصبحنا نفتقدها في مجتمعنا ، و تحاول أن تكون نموذجا لغيرك لإصلاح ما أفسده المفسدون ، و تستطيع أن تحتفظ بنقائك في وسط هذا الكم من الظلم و الفساد و العشوائية التي وصلنا إليه ، و الأهم أن تكون نيتك في هذا كله خالصة لوجه الله ، إن كنت هذا كله فوجودك في مصر إنما هو جهاد و إصلاح ، و كل نموذج خير موجود إنما يثبت و يقوي غيره من نماذج الخير يحميها من الإنحراف و الإنجراف ، و يعمل على أن يكون "خميرة" خير تعد بلدنا و الأجيال القادمة لتكون مصرنا أفضل . فلا تفقد إيمانك القديم أبدا .

قلت له : صدقت ، فما يزال بي حنين لمصر أفضل .

هل قرأت حنين للوطن ؟

22 أبريل 2008

حنين للوطن

رحت أتذكر ملامح وجهه ، نغمات صوته ، و حركات يديه ، كان يجلس على هذا المقعد بجانبي منذ يومين .

سافر صديقي بعد صراع طويل داخل بلده ، سافر بعدما استنفذ السبل و أخذ بجميع الأسباب ، توكل على الله و راح يسقي أرضا غير أرضه . عوامل الطرد غربته في وطنه ، فراح يبحث عن وطن في غربته .

قال لي قبيل سفره: إني أتمثل قول رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أخرج من مكة و هو يذرف الدمع و يقول: "والله إنك لأحب بلاد الله إليّ ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجتُ" ، أو كما قال صلى الله عليه و سلم .

حنين للوطنالقصة رقم ألف هي في مسلسل نزيف الأعزاء إلى خارج الحدود ، فكثير من أصدقائي سافر و عاد ، و أكثرهم لا يعود . فمع اختلاف الدوافع و الأسباب ، و رغم وطأة الإحساس الصعب بالفقد و الافتقاد يسافر الجميع ، أو يهرب ، أو يهاجر . و الغريب أن معظم من يترك البلد يكون متميزا جدا في مجاله ، و قد يصعب تعويض غيابه على المستويين المهني و الشخصي ، و الأغرب أن أكثرهم يذوب عشقا في مصر .

فهل تطردنا بلدنا لأننا أثقلنا عليها ؟ أم يحاول البعض أن يجتثنا منها ليسهل عليه تفكيكها و بيعها ؟

و كأن الغربة التي أصابتنا داخل الوطن بسبب غموض المصير و تغير الاستراتيجيات و تألق المحتكرين و الفاسدين و اختفاء بوصلة الصواب ، و كأن هذه الغربة كان ينقصها أيضا تغيب الأهل و الأصدقاء و الأحباب . هؤلاء الذين أبحث عنهم الآن فلا أجدهم .. فيدهمني حنين للوطن .

و للحديث بقية إن شاء الله . (حنين للوطن 2)

17 أبريل 2008

تناكة

بيقولوا إن الولد ياسين ابني تنك .

من قريب قابلت واحد صاحبي فقال لي "أمال فين ابنك التنك؟" ، قلت له "تنك ليه يعني؟" ، قال لي "يعني .." !

Tanaka و السبب إن الولد جاد ، بمعنى إنه مايهزرش مع واحد مايعرفوش ، و مايسمحلوش إنه يهزر معاه طبعا ، يعني ينفع مثلا إنك تبقى "عمو" كبير و محترم ، و أول ما تتعرف على الولد تزغزغه ؟ طبعا لا تتوقع أكتر من إنه يبصلك من فوق لتحت ، و يمكن يعمل نفسه مكشر شوية علشان تفهم إنه مش راضي عن طريقتك دي في التعارف .

من أسباب "التناكة" برضه إنه مايحبش يمشي حافي ، و مايحبش يفضل يتنطط و يعمل دوشة عمال على بطال في أثناء وجود الضيوف ، و طبعا مايخدش من أي "عمو" أي حاجة يديهاله ، لكن يحب يتفحص الحاجة و غالبا يقول "لأ شكرا" ، ناهيك طبعا عن إنه "يربأ بنفسه" عن إنه يعمل أراجوز قدام سعادتك علشان تتفضل و تقول "ما شاء الله ، ده باين عليه ذكي و أكتيف قوي" !

و الحقيقة إن المشكلة في الكبار اللي بيحكموا على سلوك ملتزم – و إن كان مستفز أحيانا – إنه "تناكة" ، أما السماجة و التناحة بتاعة طفل تلاقيه بينكشك باستمرار بداية من "إيه اللي في إيدك دي يا عمو" و "طب لابسها ليه يا عمو" و وصولا إلى "تدفع كام و تاخدها تاني يا – من غير عمو" هي اللي بتقول إن الولد نبيه و طالع ذكي و لماح .

و في مجتمعنا النهارده لازم الواحد يبقى كلامنجي و بتاع حركات و غمز و "يسلك" في الكلام – بمعنى المراوغة و اللف و الدوران – علشان يبقى ناجح و محبوب ، و لازم الواحد يبقى كل كلامه "يا برنس" ، و "أحلام سعادتك أوامر" ، و "صبح صبح" ، إلى آخره علشان الناس تقول عليه إنه حتة سكرة .

ساعات لما باشوف واحد سمج ، أو متطفل ، أو ماشي عكس الاتجاه بعد ما ادى العسكري سيجارة ، باحس إنه ناقصه حبة .. "تناكة" .

16 أبريل 2008

التوازن المفقود

بلا شك يتمنى كل منا أماني عظيمة لنفسه و أحبائه و بلده . و لكن كثيرا ما نجد أننا لا نعرف كيف نحقق أي من هذه الأماني ، و نتحسر لأننا لا نحيا الحياة التي نريدها ، أو لأن علاقاتنا الإنسانية ليست كما نرجو ، أو لأن حياتنا تفتقد التوازن المطلوب و لا تسير في الاتجاه الصحيح .

balance-lamp قد تعتقد أنك لا تستطيع أن تحيا حياة متوازنة بسبب الضغوط الناتجة عن عدم وجود وقت – أو إمكانيات – لتحقيق كل واجباتك و مسئولياتك ، مع أن القدرة على التغيير موجودة داخل كل منا ، و كل المطلوب منك هو أن تكون أكثر توازنا .

الحياة المتوازنة هي القدرة على التعرف على و التعامل مع و التمتع بكل جوانب الحياة الروحية و الأسرية و العاطفية و العملية و المالية و الصحية و الترفيهية ! و لا يستطيع إنسان إن يحقق ذاته إذا افتقد هذا التوازن .

و الحقيقة أن الوصول لهذا التوازن يتطلب قدرا من التخطيط ..

حدد رؤية

يجب أن تحدد أين ستذهب قبل أن تتحرك ، و إلا فلن تصل إلى أي مكان ، و رؤيتك للحياة هي البوصلة التي قد يتغير إتجاه مؤشرها من وقت لآخر ، و لكن يجب أن تحتفظ بها لكي لا تضل الطريق .

على سبيل المثال قد تكون الرؤية كالتالي : "تحقيق احتياجات أسرتي الإجتماعية و المالية ، و الاحتفاظ بالقدرة على تطوير طبيعة عملي" ، و بالرغم من أنك قد لا تحقق هذه المعادلة طوال الوقت إلا أن وجودها يدفعك باتجاهها و يرشدك إذا فقدت طريقك .

حدد أهدافك

و هي الأشياء الذي ستنفذها لتحقيق رؤيتك بطريقة ملموسة يمكن الحكم على درجة نجاحها .

و الحقيقة أن الأحاسيس السلبية كثيرا ما تكون بسبب عدم تحديد الأهداف أصلا ، لذلك يجب أن تراجع أهدافك و تخطط برامجك الأسبوعية أو الشهرية لتنفيذ هذه الأهداف – سواء كانت كبيرة أو صغيرة .

حدد أولوياتك

الأهم فالمهم ! تجنب ضياع وقتا كثيرا في التليفزيون و التليفون و الدردشة قد يساعدك على التركيز على ما هو مهم فعلا . رتب أهدافك حسب الأهمية في حياتك و قسم وقتك وفقا للأهمية ، ضع لنفسك خطة يومية في 10 دقائق لتكون معك قائمة بواجباتك .

حاسب نفسك

راجع يومك قبل أن تنام لتستفيد من تجاربك و تضع خططا أفضل للغد .

في النهاية

اسأل من حولك ممن مروا بنفس مشاكلك أو حققوا ما تتمناه لتستفيد من خبراتهم ، صحح أخطاءك ، راعي صحتك ! فلو كنت تشعر بإجهاد شديد قبل النوم ، أو تجد صعوبة في الاستيقاظ ، أو لديك أوجاع مزمنة فهذا يشير إلى أنك لا تعيش حياة متوازنة ، استرخ و امنح نفسك وقتا للراحة و اللعب و المرح .

و الآن هل تعتقد أن هذا التوازن ممكن ؟ هل تعتقد أنك تحتاج إليه ؟

أما أنا فأبحث عنه !

12 أبريل 2008

رحايا العمر

من الصعب أن يبقي الإنسان فمه مغلقا ، لاسيما إذا كان يتحدث عن نفسه .

في أحد الاجتماعات كان الوقت لا يكفي لكي يتحدث الجميع ، و كانت النتيجة أن الأسرع و الأعلى صوتا استأثر بجل الكلام ، و أثناء خروجنا سألت صديقي الذي لم يتكلم أبدا "لماذا لم تتكلم؟" فقال بسرعة "جميع الحاضرون يعرفون أنني أستطيع الكلام!" . ضحكت للرد القاطع ، و لكني تعلمت أيضا أن الكلام في حد ذاته لا يضيف إلى قائله إلا بمحتواه و فائدته ، و لهذا أتسأل الآن أيضا "ما فائدة الكتابة هنا إذا؟" . لقد حافظت على فمي مغلقا و على قلمي جديدا بينما أتابع المتكلمين و الكاتبين في كل وقت و مكان و مجال ، فلماذا أكتب ، و لماذا الآن؟

نهر الأفكار

Ra7ayaكان من الممتع و العجيب أيضا أن أقرأ بعض ما كتبت من قبل . إن الأفكار تتغير و الإحداث اليومية تسبب اختلافات صغيرة في شخصية الإنسان ، و لكن الإحساس الدائم بالآنية و الاعتقاد الزائف بالديمومة و التكرار يجعلنا لا نرى هذه التغيرات و الاختلافات ، مما يجعل مراجعة الأفكار و المواقف درسا في حد ذاته . و كتابات المفكرة الشخصية لا تفي بهذا الغرض ، إذ أنك لا تعنى بشرح و صياغة أفكارك بشكل واضح إلا للآخرين .

رأيك يهمني

إن فكرة سماع رأي الآخرين و نصائحهم و انتقاداتهم و أسئلتهم قد لا تكون مستحبة طوال الوقت ، و لكن ماذا عن تلقي هذه الآراء و الأسئلة على أفكاري و الموضوعات التي أطرحها أنا؟ إن لم يكن هذا مفيدا و يطور الحياة فهو بالتأكيد ممتعا . كما أن مشاركة الأفكار و الآراء سوف تعني لقاء أشخاص يفكرون و يحيون بنفس الطريقة ، و احتمال أن يؤثر هؤلاء في حياتي كبيرة . إن الإنسان يختار أصدقاءه من المجموعات التي تفرضها الظروف عليه ، ماذا لو كان عليه أن يختار ممن قابلهم لأنهم يؤمنون بأفكاره و يتقبلون آراءه؟

عاشت الفكرة! ماتت الفكرة!

هناك شيء آخر ، و هو أن كل إنسان يملك خبرات و معلومات يحب أن يشرك الآخرين فيها ، و هذه قد تشكل لديهم فائدة أو قيمة ما . هناك أفكار تولد و تموت لمجرد انها لم تجد الوقت أو الشخص المناسب لطرحها عليه ، أما هنا فيمكن للأفكار أن تنتظر من يقرأها يوما و يحييها عندي أو عند غيري . لا أستطيع أن أتخيل ماذا لو وجدت كتابات لأبي أو لجدي و هم في مراحل سنية لم أعرفهم فيها؟ هل يمكن لأحفادي ان يقرأوا يوما ما أكتبه الآن؟

ما قبل / ما بعد

بالنسبة لي أشعر أن بلادنا تعيش لحظة ما قبل التحول . التحول إلى ماذا؟ لست أدري بعد ، و اسأل الله العافية ، و لكن في كل الأحوال فما نعيشه و نشعر به الآن سوف يكتسب أهمية بحجم هذا التحول .

فما رأيك أنت؟