27 يونيو 2008

كيف تعترف بأخطائك ؟

يسهل التعامل مع أخطاء الآخرين ، فالإنكار و الرفض و التعالي من ملامح هذا التعامل . و لكن ماذا عن التعامل مع أخطائنا الشخصية ؟

أخطاؤنا

أخطاؤنا لنفترض جدلا أنك قد وقعت في خطأ ما ، و كلنا نخطئ على كل حال ، و كان هذا الخطأ كبيرا جدا ، و كنت أنت المسئول عنه ، و قد حان وقت تحمل المسئولية . قد تكون تسببت بخسارة ما لشركتك ، أو نسيت أن تقوم بأداء مهمة ضرورية لإنجاز عملك ، أو تخليت عن شخص ما وقتما احتاج إليك ، بالرغم من أنك قد وعدته بالمساعدة . أيا كان الموقف فإن شخصا ما وثق فيك فخذلته .

لذلك فإن عليك أن تخبره .

إن رد الفعل الانعكاسي في مثل هذه الحالة هو أن تحمي نفسك بقدر استطاعتك ، فعلى حسب حجم الخطأ الذي ارتكبته تكون النتائج ، و التي قد تصل في أقصى مدى لها إلى خسارة عملك ، أو إنهاء علاقتك مع شخص آخر ، أو تشويه سمعتك ، أو ربما أية نتيجة أخرى تخشاها و تحاول تجنبها .

التنصل من الأخطاء

كثير من الناس يتنصل من أخطائه ، فيستخدم كل طريقة ليبعد الشبهة عن نفسه ، أو يحاول أن يقلل من خطورة الموقف ، أو حتى ينكر أن هناك خطأ من الأساس . ستجد الكثير من أمثلة التنصل من الأخطاء في ردود فعلك عند الخطأ ، و أوضح أمثلة لهذه الأساليب في التنصل تجدها في تصريحات السياسيين !

تهدف هذه الأساليب إلى إعطاء انطباعات من نوعية : "لقد حدثت أخطاء و لكنني غير مسئول عنها" ، "لا أحد يدري كيف يمكن لهذا أن يحدث" ، "لا يوجد ما يستحق أن نقلق من أجله" ، "لقد وقعت أخطاء و لكن علينا أن نتغاضى عنها و نتخطاها" ، "لا يمكننا أن نعتبر هذا خطأ" ، إلى آخره .

الاعتراف بالأخطاء

مشكلة التنصل من الخطأ أنه قد يتسبب بالأذى للآخرين ، و بحسب الأخطاء التي تتنصل منها ، فإنك ستفقد مصداقيتك تدريجيا ، و سيفقد الناس ثقتهم فيك ، و خاصة أولئك الذين سيدفعون ثمن أخطائك ، سواء كان ذلك بتوجيه اللوم إليهم ، أو بقيامهم بإصلاح ما أفسدته أنت ، و في بعض الحالات قد تستطيع أن تشتت الانتباه لدرجة أن ما أفسدته لن يتم إصلاحه أبدا !

و في المقابل فإن اعترافك بأخطائك يجعلك أقرب إلى إصلاحها ، بل قد يكون هذا الاعتراف هو أولى خطوات الإصلاح ، و الاعتراف بالخطأ يظهر للجميع أن لديك أمانة و شجاعة ، حتى لو واجهت نتائج مؤلمة .

و أريد أن نحاول سويا اقتراح ما قد يساعد أيا منا على الاعتراف بأخطائه ، و هذه هي اقتراحاتي:

1. ضع نفسك في مكان الآخرين : فكر في الأشخاص الذين تسببت في مضايقتهم أو خيبت أملهم . كيف ترى الأمور من الجهة الأخرى ؟ بماذا تشعر ؟ ما رد فعلك تجاه هذا الخطأ ؟ ما رد الفعل الذي يرضيك من المخطئ ؟

2. تحمل المسئولية : لا تتنصل من خطئك ، و لا تبحث عن ضحية تتحمله عنك ، حتى لو أن هذا الخطأ الذي فعلته كان بسبب تخلي شخص ما عنك ، فأنت في النهاية مسئول عن أخطائك بغض النظر عن سببها .

3. تحمل النتائج : أعلم أن هذا هو الجزء الأصعب ، و لكن أحيانا يفرض علينا أن نواجه المواقف الصعبة . بعض الأخطاء تمر بدون عواقب ، و لكن كن مستعدا لمواجهة نتيجة خطأك إذا لزم الأمر .

4. خطط لرد فعلك : تحملك للمسئولية يعني استعدادك لإصلاح ما أفسدته ، و من الأفضل أن تخطط لهذا . يجب أن تحدد الخطأ الذي وقعت فيه ، و كيف تصلحه ، و كيف تتجنبه في المستقبل .

5. تعامل مع الموقف بصدق : فتظاهرك بالتعاطف الأجوف مع الآخرين لن يعيد الثقة المفقودة ، و لا تحاول أن تظهر نفسك كشهيد ، أنت فقط إنسان مسئول و تتحمل نتيجة أفعالك .

6. إعتذر : هذه صعبة أيضا ، و لكنك قد تبذل مجهودا خارقا لتجمل الموقف ، أو لتخفي خطأك ، بالرغم من أن جملة بسيطة مثل "أنا آسف" قد تكفي جدا ، و تعالج الكثير من المشاعر السلبية .

و مع ذلك لا توجد نصيحة تمنع أسوأ النتائج من الحدوث ، فقد تخسر عملك أو صديقك بالرغم من ذلك ، و لكنك ستحتفظ باحترامك لنفسك ، بدلا من الشعور بالخزي . إن تحملك لمسئولية أخطائك ، و التصرف بشكل صحيح يمهد لك الطريق للتعلم من أخطائك ، و التقدم نحو أهدافك ، و تحقيق أحلامك . و لا ننسى أن الله يغفر الذنوب جميعا بشرط الندم ، و الإقلاع ، و العزم على عدم العودة ، و لا يمكن أن تتحقق هذه الشروط مع إنكار المسئولية .

أخطاء الآخرين

و الآن و على ضوء الاعتراف بأخطائنا الشخصية ، هل نتعامل مع أخطاء الآخرين بالشكل الأمثل ؟ و هل نساعدهم على الاعتراف بأخطائهم ؟

22 يونيو 2008

الخيط الأخير

الخيط الأخير إن الكذب موجود في حياتنا ، و كثير من الناس يكذب ، بعضهم يكذب دائما ، و بعضهم يكذب أحيانا ، و بعضهم لا يكذب إلا نادرا .

و لكن الكذب يختلف أيضا ، ففي بعض المواقف أتعامل مع إنسان يكذب ، و لكنني أحسن الظن به ، و أنسب الكذب للخطأ أو للنسيان ، و في مواقف أخرى أظن أن الكذب بسبب عدم فهم أو سوء تفاهم ، و قليلة هي المواقف التي أرى فيها من يكذب أمامي و كلانا يعرف أنه يكذب .

هذا الموقف قد لا يدمر العلاقة تماما ، و لكنه حتما يخلق نوعا من عدم المصداقية ، يقتل فرصة حسن الظن ، و يترك بصمته الدائمة ، فنحن بطبعنا نميل إلى الحكم على الناس ، نتجه إلى أن نصنف بعضنا بعضا على أساس الانطباعات ، فما بالك عندما يصدر حكما بائنا على إنسان بناءا على واقعة حقيقية .

حدث هذا الموقف معه . لقد كان يكذب ، و كنت أعلم أنه يكذب ، و كان يعلم أنني أعلم !

كنت أتمنى أن يراجعني ، أو أن يعتذر لي ، أو أن يبرر ما قال ، أو حتى أن يقنعني بعكس فكرتي .

لكنه لم يفعل .

لمحته وسط جمع من الناس ، لقد كان يكلم هذا ، و يضحك مع هذا ، و كان يراني ، و لكنه تجنب النظر إلي ، حتى عندما التقينا ، مد يده بالسلام سريعا ثم ابتعد ، و لم يسمح أبدا لأعيننا أن تلتقي ، لقد كان يعلم أن هذه النظرة كفيلة .. بقطع الخيط الأخير .

تحديث : هل ينقطع الخيط الأخير؟

20 يونيو 2008

واجب الأسرار

واجب الأسرار

فوجئت بهذا الواجب يقتحم علي مدونتي ، تشاغلت و راوغت ، و لكنه باغتني من جديد : "عليك واجب" ، قلت إنا لله و إنا إليه راجعون ، علي أن أرضى بما ليس منه بد . و هكذا أجد نفسي الآن أقدم إليكم بكامل إرادتي الحرة : واجب الأسرار .

قوانين الواجب :

1. أذكر اسم من طلب منك حل هذا الواجب.

سامحها الله لعلها خير هي السبب ، و سامح الله من أرسل إليها الواجب من قبل عاشقة النقاب .

2. أذكر القوانين المتعلقة بهذا الواجب

حدث بالفعل .

3. تحدث عن ستة أسرار قد لا يكتشفها من يقابلك للمرة الأولى.

طبعا لن يكتشفها !

1- فهذا هو أول سر ، يصفني من يعرفني لأول مرة بأنني متحفظ ، و لا يعرف أنني أحب البساطة في التعامل .

2- لا أحب المجاملات ، إطلاقا . أحس أن التكلف يفسد العلاقات ، و لا أحسن المجاملة أو الإلحاح ، فيحسب الناس أني غير ودود ، أو غير متجاوب معهم .

3- مدمن كتب ، و لا أنام بدون قراءة ، مما يؤخرني في اليوم التالي أحيانا .

4- يبدو علي الهدوء عادة ، و لكنني أحتفظ داخلي بأكبر قدر ممكن من الثورة التي لا تبدو على السطح .

5- أحرج جدا من إحراج الناس ، فاضطر أحيانا إلى الاستمرار في الاستماع إلى حديث ، أو المشاركة في موضوع لا يهمني كثيرا في الحقيقة ، فقط لكي لا أحرج صاحبه .

6- مستعد أن أفعل أي شيء ، أؤمن أو أقتنع به .

4. حول هذا الواجب إلى ستة مدونين، وأذكر أسماءهم مع روابط مدوناتهم في موضوعك.

هذا هو الجزء الجميل في الموضوع ، و لأنني أحب الإنصاف جعلت أسلوب الاختيار عدد التعليقات في مدونتي ، و بالتالي القائمة التالية هي قائمة الأكثر تعليقا في رحايا العمر ، و أطلب منهم مشكورين أن يحلوا واجب الأسرار بدورهم :

- آبي صاحبة الكوكب الشهير

- norahaty صعبان عليها حالنا

- هنا و هناك فاتح أبواب الحياة

- شمس الدين ربة السيف و القلم

- قوس قزح الشخصية الملونة

- مصطفى مع إصراري أنظر ماذا فعلت رحايا العمر بمصطفى

5. اترك تعليق في مدونة من حولت الواجب عليهم، ليعلموا عن هذا الواجب.

سيتم إخطار الضحايا في أقرب وقت ممكن إن شاء الله .

و بعد ، كل واجب و انتم طيبين ، و مانجيلكمش في واجب :)

16 يونيو 2008

فوانيس الحياة

فوانيس الحياة عاش هذا الكتاب في مكتبتي أكثر من خمسة و عشرين سنة ، ثم انتقل إلى مكتبة أبنائي الآن . بحثت عن كتاب "فوانيس الحياة" للكاتب الصحفي علي أمين على الإنترنت فلم أجد له أثرا ، فربما تكون هذه الكلمات هي كل ما كتب عنه في عالم الويب ، هذا في الوقت الذي تسود فيه الصفحات كتابة عن كتب أقل ما توصف به أنها تافهة .

عنما قرأت هذا الكتاب لأول مرة ، كان بالنسبة لعقلي الصغير مجموعة من الحواديت المسلية ، و عندما قرأته بعدها مرات أخرى كان نبع إنساني عميق للحكمة و المعاني الطيبة ، في بساطة شديدة ، و في لغة يفهمها حتى الأطفال .

ما أشبهه اليوم حين أقرأه بمدونة مطبوعة ! تمتلئ بذكريات و بشخصيات ، و كل صفحة فيه تقدم وجبة سريعة بقيمة فكرية جميلة . و لا أجد شيئا أشكر به الكاتب رحمه الله سوى بنقل إحدى مقالات الكتاب هنا ، و كم أتمنى أن يقرأ كثير من الناس ما يحتويه هذا الكتاب الممتع .

لا يكفي أن تقول يا رب ! *

سألت أمي مرة : "لماذا يعيش الله دائما في السماء .. لماذا يبتعد عنا و نحن في حاجة إليه ؟"

فقالت لي أمي : "إن الله يقترب من الذين يؤمنون به ! إنه لا يتركهم وحدهم . إنه يبارك كل خطوة من خطواتهم ."

فقلت لها : "أنا مؤمن بوجود الله ! و مع ذلك ففي كثير من الأحيان أقول "يا رب" و أحس أن الله لا يسمعني !"

فقالت لي : "لا يكفي أن تؤمن بوجود الله .. يجب أن تساعد الناس ! فإن الله يحب الذين يساعدون الناس !"

و عشت أحاول مساعدة الناس . أحيط الطفل المحروم بحبي ، و أخفف آلام المريض باهتمامي به . و أعيد ثقة المظلوم بعدالة السماء بالوقوف بجانبه . و أحاول أن أقتسم "لعبي" الصغيرة مع الأطفال الذين ليس في أيديهم "لعب" يلعبون بها ! و كنت أقتسم الشوكولاته مع الأطفال الذين حولي !

و أحسست بعد ذلك أن الله يقترب مني ! و رأيت الله عدة مرات !

و كان الله يعطيني أضعاف أضعاف ما طلبته من السماء !

و في بعض الأحيان كنت أستنجد بالله ، فلا أجده في جانبي ، فأراجع نفسي و أحاول أن أصحح الأخطاء التي وقعت فيها ، و أعود إلى مناداة الله !

و اكتشفت أن السماء تسعف الذين يستنجدون بها إذا عملوا عملا صالحا ، و إذا أعطوا جزءا من حبهم أو مالهم أو اهتمامهم لشخص نسيته الدنيا في سرعة دورانها !

لا يكفي أن تقول : "يا رب !"

ساعد الذين يحتاجون إلى المساعدة ثم تطلع إلى السماء !

فالسماء لا تتخلى أبدا عن الذين يساعدون الناس !

* صفحة 37 من كتاب فوانيس الحياة ، علي أمين – طبعة سنة 1979 دار الشروق

14 يونيو 2008

قانون الجنون

لا توجد عادة عديمة الفائدة و في نفس الوقت شائعة جدا مثل تكرار نفس التصرفات مع انتظار نتائج مختلفة ! يعتبر البعض هذه العادة مرادفا للجنون !

قانون الجنون هل رأيت الذبابة التي تموت أمام زجاج الشباك المغلق لأنها تريد أن تخرج منه ؟ قد تظن أنت أن الذبابة مجنونة لأن بالغرفة شبابيك أخرى مفتوحة ، و لكنها تصر على أن تخرج من هذا الشباك بالذات ، فتطير و تصطدم بالزجاج ، ثم تظل حبيسة سطحه . و لكنك لو فكرت فستكتشف أن بحياة كل منا زجاج شباك مغلق ، نلتصق به ، و نحاول أن نخرقه ، و لا نبحث عن شبابيك أخرى .

فكر في حياتك ، و فيما تفعله ، هل هناك أشياء تفعلها باستمرار ، و تحس دائما أن نتائجها ليست كما تحب ، أو ليست كما ينبغي ؟ إذا كانت الإجابة بنعم ، فعليك أن تجرب عمل هذه الأشياء بطريقة مختلفة .

لا أجد مثلا أربطه بهذا الموضوع أنسب من صديقي الذي كان يعاني من سلوك سيء و متكرر من ابنه ، و عندما كنا نتحدث عن هذه المشكلة سألته عما يفعله مع ابنه عندما يكرر هذا السلوك ، فقال : "باضربه" ، فسألته : "و المرات اللي فاتت؟" ، قال : "كل مرة باضربه" ، فقلت : "و هل الضرب جاب نتيجة؟" ، قال : "لأ" ، قلت له : "طيب جرب أسلوب تاني معاه ، يمكن يبطل" ، قال لي : "أنا فهمته كويس إنه لو عمل كده تاني إني حاضربه ، و مع ذلك مش بيبطل" ، فقلت له : "علشان كده باقول لك جرب أسلوب تاني ، تجربتك بتقول إن الضرب مش هو حل المشكلة دي ، لكن أكيد لها حل تاني" .

عندما نرتاح إلى ما اعتدنا عمله ، نرفض أن نجرب ما لم نعتاده . إن التطور و النمو الشخصي يتطلب أن نتعامل مع التغيير ، و أن نواكبه ، بل و أن نغير ما حولنا عن قصد ، و ألا نكف عن التغيير ، و عن مواكبة التغيرات من حولنا . و لكن السؤال الذي يجب أن تواجهه : ما هو مستوى الخوف ، و القلق ، و التعب الذي يمكنك أن تتحمله حتى تغير ، و تنمو ، و تخلق الحياة التي تريد ؟

عندما تواجه مشكلة ما ، شكوت منها سابقا ، و وجدت أنها تتكرر كثيرا ، فكر في رد فعلك ، و قم بعمل شيء جديد هذه المرة ، و كقاعدة عامة منطقية :

لا تتوقع نتيجة مختلفة إلا إذا قمت بعمل شيء مختلف .

و الآن أرجوك افتح الشباك لهذه الذبابة الحبيسة !

07 يونيو 2008

عبور الحياة

عبور الحياة هل تشعر في أي وقت من الأوقات أنك حائر في حياتك ؟ هل تتساءل أحيانا عن مصيرك ، و عن طريقك الذي اخترته في الحياة ، و أين يتجه بك هذا الطريق ؟ هل تفكر في الأسلوب الأنسب لعبور هذه الحياة ؟ هل تحاول أن تستشف مستقبلك ، و أن تتحرك في الاتجاه الصحيح لتعيش حياة آمنة ، و في نفس الوقت ترضي ربك ؟
أنا أشعر مثلك ، و تؤرقني نفس التساؤلات ، أبحث عن إجابات واضحة لها ، و أحاول أن أعبر الحياة بالشكل الأمثل .
مرت بخاطري بعض هذه الأفكار عندما سمعت حديث موحي و بليغ لسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم يقول : « يا أبا ذر ، أحكم السفينة فإن البحر عميق ، واستكثر الزاد فإن السفر طويل ، وخفف ظهرك فإن العقبة كؤود ، وأخلص العمل فإن الناقد بصير» ، و الحديث غني بالمعاني لأقصى حد ، و يعج بالإشارات و التلميحات العميقة المؤثرة لمن تفكر فيه للحظات .
و ملخص فكرة الحديث كما فهمته يدور حول كيفية التعامل إجمالا مع هذه الحياة حتى نصل عبرها إلى بر الأمان ، و لو أنني فهمت هذه المعاني بالشكل الصحيح ، فإن هذا لعمري هو إجابة كل الأسئلة السابقة ! و لكي أكون أكثر دقة فإن الحديث لا يوجهك بأسلوب إفعل و لا تفعل ، و لكنه يستخدم أسلوب راقٍ في التربية ، يقدم لك إشارات على الطريق ، تعينك على الاختيار الصحيح في كل موقف في حياتك ، و لا يعي هذه الإشارات إلا من كان له قلب ، أو ألقى السمع و هو شهيد ، و لا يلتزم بهذه الإشارات إلا من تعلق قلبه بهدف الوصول إلى بر الأمان .

أحكم السفينة فإن البحر عميق

فلكي تعبر بحر الحياة يجب أن تسد النقص و الخلل في سفينتك التي تعبر بها ، بمراقبة نفسك ، و إصلاحها ، و تأديبها . أنظر إلى مواضع العيب و النقص و اتخذ قرارك لتصلح من شأنك ، و انشد إتقان كل ما تفعل بقدر الاستطاعة .

استكثر الزاد فإن السفر طويل

و خير الزاد التقوى و العمل الصالح ، فما أطول السفر إلى الآخرة ، و ما أصعب ظلماته ، و ما أقسى أن تشعر بالأسى على عمر ضاع بغير استزادة ، و ما أشد ندم إنسان تقطعت به السبل بعدما نفد زاده . انتهز الفرصة و تزود الآن ، و لا تتردد في عمل ما يكثر زادك مهما كلفك الأمر .

خفف ظهرك فإن العقبة كؤود

ما أثقل الذنوب و المعاصي في يوم يحمل كل منا أحماله و أعماله على ظهره ، و ما أصعب الموقف عند محاولة اجتياز العقبات و نحن ننوء بهذه الأحمال . إن الذكي هو من انتبه لهذا من الآن و تخفف من أحماله ، فقم الآن بوضع هذه الأثقال ، و ابحث عن كل طريقة تعينك على هذا .

أخلص العمل فإن الناقد بصير

من أكثر ما قد يفزع الإنسان فكرة ألا يقبل عمله لشبهة رياء أو تصنع ، و من منا يضمن لنفسه إخلاص ؟ و لا سبيل لتهدئة هذا الخطر إلا التوجه بالعمل لوجه الله وحده ، و ألا ننتظر شكرا أو إعجابا من الناس ، و إنما نتحرى في أعمالنا رضا الله ، و إن سخط علينا الناس ، و أن نتجنب غضب الله ، و إن رضي عنا الناس .
و بعد ، صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أعاننا الله على أن نلزم غرسه .
و الآن قارئي العزيز ، ساعدني ، و قل لي ما هي الخطوة الأولى التي قررت أن تخطوها في سبيل عبور الحياة بأمان ؟

05 يونيو 2008

حسن نية

حسن نيةكان صديقي الذي يكبرني ببضعة أعوام دليلي في أشياء كثيرة ، ففي تلك السن كانت كل سنة تعني خبرات و مهارات و معلومات لا حصر لها . و من ضمن ما تعلمته من صديقي هذا أنه من حسن آداب زيارة الأصدقاء أن تذهب إليهم و معك شيئا تقتسمونه سويا ، و كان يسمي هذه الهدية "حسن نية" . و عادة ما كانت تعتبر زجاجة بيبسي (عفوا كان هذا قبل دعوات المقاطعة بنحو 10 سنوات!) حجم عائلي على سبيل المثال "حسن نية" معتبرة ، حيث كانت تضفي بهجة على دخول الزائر ، ثم يقتسمها الحاضرون سويا . و الأصل في الموضوع أن يثبت الزائر حسن نيته و رغبته في قضاء وقت مع صاحب البيت بطريقة عملية و لطيفة .

أصبحت حسن النية عادة متأصلة فينا ، و كانت تتنوع حسب الظروف ، و الوقت من السنة ، و نوع الزيارة نفسها . و كان الأصدقاء الجدد يكتسبون نفس العادة عنما يتزاورون معنا ، و أذكر في مرة أنني و صديقي كان لدينا مناسبة لدعوة عدد كبير من الأصدقاء ، و فوجئنا بكميات هائلة من حسن النية ، و كانت التقاليد تمنع إعادة حسن النية لأصحابها ، و هكذا قمنا بتقسيم حسن النية الموجودة لدينا على بيتينا ، و أصبحنا نهادي من يزورنا ، و نصر على ألا يقدمون حسن نية إلى حين .

سوء تفاهم

سوء تفاهم في إحدى المرات و قبل زيارة أحد الأصدقاء الجدد طلبت منه في التليفون "هات معاك حسن نية" ، و لم يكن هذا الصديق يعلم ما هي "يعني إيه؟" ، فقلت له : "أي حاجة نتسلى و احنا قاعدين مع بعض" ، قال لي "طيب ، حاجيب حسن نية" . لم أوضح لصديقي أن حسن النية عادة ما تكون من المشروبات و خاصة في الصيف ، و هكذا عندما جاء "إيه ده؟" ، قال : "حسن نية" ، قلت له : "ده لب!" ، قال لي : "و إيه يعني؟" ، قلت له : "ما ينفعش حسن النية تبقى لب!" ، فقال بلهجته العملية : "خلاص ، اعتبره سوء تفاهم" ، كان الموقف مضحكا ، و لكننا اعتدنا أن نطلب من صديقنا هذا "سوء تفاهم" من وقت لآخر .

و في الحقيقة أن صديقي هذا أصبح من أقرب أصدقائي ، و على مدى أكثر من خمسة عشر سنة من الدراسة و العمل و التعامل سويا مرت علينا لحظات كثيرة من سوء التفاهم ، كان سوء التفاهم يتسبب في مشاكل بسيطة أحيانا ، و كان يترك آثارا عميقة في أحيان أخرى ، و لكن الجميل في علاقتنا أن حسن النية كانت دائما تتدخل لصالح الصداقة فتزيل سوء التفاهم ، و تعيد المودة و التآلف المعتادين .

و في المقابل رأيت الكثير من المواقف التي تنتهي نهايات غير مفهومة و غير مرغوبة ، نهايات لا تستطيع أن تفسرها إلا بمعرفة أن سوء النية قد تدخل ليفسد علاقات و يشتت صداقات ، ربما بشكل لا يمكن أن يفسره أي سوء تفاهم ، و لا يمكن حله إلا بحسن النية .