من الصعب أن يبقي الإنسان فمه مغلقا ، لاسيما إذا كان يتحدث عن نفسه .
في أحد الاجتماعات كان الوقت لا يكفي لكي يتحدث الجميع ، و كانت النتيجة أن الأسرع و الأعلى صوتا استأثر بجل الكلام ، و أثناء خروجنا سألت صديقي الذي لم يتكلم أبدا "لماذا لم تتكلم؟" فقال بسرعة "جميع الحاضرون يعرفون أنني أستطيع الكلام!" . ضحكت للرد القاطع ، و لكني تعلمت أيضا أن الكلام في حد ذاته لا يضيف إلى قائله إلا بمحتواه و فائدته ، و لهذا أتسأل الآن أيضا "ما فائدة الكتابة هنا إذا؟" . لقد حافظت على فمي مغلقا و على قلمي جديدا بينما أتابع المتكلمين و الكاتبين في كل وقت و مكان و مجال ، فلماذا أكتب ، و لماذا الآن؟
نهر الأفكار
كان من الممتع و العجيب أيضا أن أقرأ بعض ما كتبت من قبل . إن الأفكار تتغير و الإحداث اليومية تسبب اختلافات صغيرة في شخصية الإنسان ، و لكن الإحساس الدائم بالآنية و الاعتقاد الزائف بالديمومة و التكرار يجعلنا لا نرى هذه التغيرات و الاختلافات ، مما يجعل مراجعة الأفكار و المواقف درسا في حد ذاته . و كتابات المفكرة الشخصية لا تفي بهذا الغرض ، إذ أنك لا تعنى بشرح و صياغة أفكارك بشكل واضح إلا للآخرين .
رأيك يهمني
إن فكرة سماع رأي الآخرين و نصائحهم و انتقاداتهم و أسئلتهم قد لا تكون مستحبة طوال الوقت ، و لكن ماذا عن تلقي هذه الآراء و الأسئلة على أفكاري و الموضوعات التي أطرحها أنا؟ إن لم يكن هذا مفيدا و يطور الحياة فهو بالتأكيد ممتعا . كما أن مشاركة الأفكار و الآراء سوف تعني لقاء أشخاص يفكرون و يحيون بنفس الطريقة ، و احتمال أن يؤثر هؤلاء في حياتي كبيرة . إن الإنسان يختار أصدقاءه من المجموعات التي تفرضها الظروف عليه ، ماذا لو كان عليه أن يختار ممن قابلهم لأنهم يؤمنون بأفكاره و يتقبلون آراءه؟
عاشت الفكرة! ماتت الفكرة!
هناك شيء آخر ، و هو أن كل إنسان يملك خبرات و معلومات يحب أن يشرك الآخرين فيها ، و هذه قد تشكل لديهم فائدة أو قيمة ما . هناك أفكار تولد و تموت لمجرد انها لم تجد الوقت أو الشخص المناسب لطرحها عليه ، أما هنا فيمكن للأفكار أن تنتظر من يقرأها يوما و يحييها عندي أو عند غيري . لا أستطيع أن أتخيل ماذا لو وجدت كتابات لأبي أو لجدي و هم في مراحل سنية لم أعرفهم فيها؟ هل يمكن لأحفادي ان يقرأوا يوما ما أكتبه الآن؟
ما قبل / ما بعد
بالنسبة لي أشعر أن بلادنا تعيش لحظة ما قبل التحول . التحول إلى ماذا؟ لست أدري بعد ، و اسأل الله العافية ، و لكن في كل الأحوال فما نعيشه و نشعر به الآن سوف يكتسب أهمية بحجم هذا التحول .
فما رأيك أنت؟
هناك 5 تعليقات:
بوادر كاتب كبير ذو إحساس مرهف،يحسن إستخدام أدواتة و قلمة،نحن نعيش بالفعل مرحلة المخاض ما قبل الولادة،ورغم الالم و المعاناةو قسوة المرحلة،و لكنها تبشر بفجر جديد و مستقبل طالما حلمنا بة جميعا،مستقبل يجمعنا ويوحدكلمتنا و مشاعرنا،لتعود لنا إنسانيتناو دفء مشاعرنا و إحساسنا بالاخربعد أن كدنا نفقدها فى ظل الصراع اليومى لتوفير إحتياجتنا الاساسية،و طغيان المادةو الزيف و غياب الضمير،و إنا لة لمنتظرون!
أولا ألف مبروك على هذه المدونة الرائعة التي أتنبأ لها بمستقبل مبهر إن شاء الله.
"من الصعب أن يبقي الإنسان فمه مغلقا" إذا أراد أن يتكلم حتى وإن لم يجد من يسمعه... فما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات هو قدرته على الكلام... وحين يأتي وقت الكلام يصعب التوقف... لأن الكلام ما هو إلا تعبير عما نشعر به وما نفكر فيه... وليس من السهل أن نتوقف عن الشعور أو أن نقتله... أو ألا نفكر... وكما ذكرت لابد من مشاركة الأفكار مع الاّخرين وإلا ما فائدة التفكير!
وفقك الله وأرجو أن تستمر في الكتابة إن شاء الله.
Nihal
يا سلام على الكلام الكبير خصوصا من صحفية كبيرة زي حضرتك أشكرك عليه ، المخاض بدأ من فترة و الله أعلم متى يأتي الفجر ، و هل المرحلة القادمة هي الفجر ، أم أحلك الليل الذي يسبق الفجر .
Mena
الله يبارك فيك و عقبى لك مدونة عربي محندقة "كوكب داخلي" و صالة كده ولا حاجة :)
فى رأى انا ان كبت الافكار تعتبر دربا من دروب الجنون و لاسيما لمن كان يتكلم مع نفسه و يحاور ضميره بشكل مستمر
احيانا كثيرة تكون تلك الافكار الهاما من الله و تكون وسيلة للحكمة و البصيرة
و لااسف كثيرا ما ينبهنا خاطرنا الى اشياء تخص الحياة او شريك الحياة او العمل تكون هى الصحيحة فعلا
و لكن عدم الاسمتاع لها او لصوت العقل و الضمير و الاحساس بداخلنا يجعلنا نندم كثيرا
اننا محصلة من الخبرات و الثقافات و الفكار الشخصية التى لها التاثير الاول فى احترامنا لذاتنا
و الا
نكون خواء او امعة لاراء الاخرين
دمت بود اخى الكريم
نعم يا عزيزتي ، أغلى ما لدى الإنسان هي الأفكار ، و إن لم نستطع أن نسثمرها فنحن نهدر الثمرة الحقيقية للحياة .
أشكرك و أحييك .
إرسال تعليق