كثيرا ما يتعرض الكتّاب للسؤال عن كيفية حصولهم على أفكار جديدة ، و كذلك يحدث مع الموسيقيين و الرسامين و المصممين أو حتى القادة العظام ، و غيرهم من المبدعين ، و يظل السؤال بلا إجابات واضحة ، و يظل "الإبداع" أو الحصول على أفكار جديدة هو مصدر الاعجاب الأساسي بالمبدعين ، ربما لأن الآخرون يرون في هذه الموهبة شيء يفتقدونه في أنفسهم .
و من المثير للاهتمام أن أفكار المبدعين كثيرا ما لا تختلف عن أفكار معظم الناس ! و لكن الذي يميز هؤلاء المبدعين هو قدرتهم على الثقة في أفكارهم ، و الثقة في أنهم يستطيعون تحقيقها ، و هذا يتطلب على الأقل معرفة توفر المهارات اللازمة لديهم للاستفادة من الأفكار البسيطة ، و تحويلها إلى شيء له معنى ، ثم العمل على هذه الأفكار لاستثمارها .
أما بقية الناس فهم يرفضون العمل على تطوير هذه الأفكار و الاستفادة منها ، رغم أن هناك الكثير جدا من المجتهدين في كل مجال ، و الذي يتميزون فيه إلى درجة الإبداع ، رغم أنهم في حقيقة الأمر لا يتمتعون بقدرات إبداعية خاصة ، و إنما لديهم فقط المهارات الكافية لتطوير أفكارهم .
و هكذا فالفرق الأساسي بين المبدعين و غيرهم هو الإصرار على التعامل مع الأفكار ، و تطويرها ، و تطوير النفس ، و ترك فكرة عدم القدرة على الإبداع أو مجرد تفضيل الخلود إلى الراحة .
مصادر الأفكار
هناك مدرستين حول مصادر الأفكار :
1 – الإلهام : هذه المدرسة تصور الفنان كهوائي الراديو الذي يبحث عن الأفكار في الأثير ، ينتظر فقط اللحظة المناسبة و الإشارة القوية التي ينتج عنها التقاط شيء جديد ، و يرتبط به كل ما يقال عن شيطان الشعر ، و الاستيقاظ من النوم للتأليف في ساعات الليل الأخيرة ، و الحاجة إلى الحالة الشعورية المناسبة للحصول على الفكرة الجديدة .
2 – العمل : المدرسة الثانية ترى أن الأفكار هي نتاج عمل شاق وتفكير مركز ، فبوجود الأدوات اللازمة و الوقت المخصص و التركيز على هدف محدد يمكن الحصول على أفكار جديدة يوميا ، كما كان يفعل الأديب الراحل نجيب محفوظ ، و هكذا تأتي الأفكار عن طريق العمل .
و الأرجح أن الواقع هو مزيج من العاملين ، إن الأفكار تأتي من النشاط الفاعل للإنسان مع العالم من حوله ، عن طريق الانتباه الواعي ، و الفضول ، و بذل المجهود ، و الاستفادة مما يصادفه في حياته .
الإعداد
تأتي الأفكار لمن كان مستعدا لتلقيها ، بغض النظر عن مصدر هذه الأفكار ، فالعلماء تأتيهم أفكار علمية ، و لا يفاجأون بكلمات قصيدة شعرية ، و الموسيقيين يحولون ما يفكرون فيه إلى أنغام ، و الكتاب المهرة يخلقون القصص الجميلة ، بينما لا يجد أفكارا جديدة من لم يعد نفسه لها سواء بالدراسة أو العمل أو متابعة ما يبدعه الآخرون .
الانتباه
مراقبة العالم من حولنا ، ما بين ما يحدث في الشارع إلى ما نراه في عناوين الأخبار ، كلها مصادر للأفكار ، فالحاجة أم الاختراع ، و لكن يجب أن ينتبه المخترع أولا إلى الحاجة إلى إختراعه .
الفضول
غالبا ما يأتي الإبداع من الدافع لفهم الأشياء و تحليلها ، إنه نابع من الرغبة في معرفة المآلات ، و متابعة التساؤل حتى الوصول إلى أفكار جديدة لم تطرح من قبل ، أو بنفس الطريقة .
المجهود
سواء كنت تتبع أي من المدرستين ، فالإبداع يتطلب بذل المجهود ، فالأفكار متاحة ، و لكن التنفيذ يتطلب تطوير الأفكار ، و متابعتها ، و وضع خطة لتنفيذها ، و إلا فإن الأفكار ترجع من حيث أتت ، و نادرا ما تعود ثانية .
الصدفة
و هي مزيج من عاملين ، الأول هو وجودك أنت بالذات في المكان و الوقت الصحيحين ، و الثاني هو قدرتك على ربط الأشياء بشكل جديد ، فمثلا خدمت التفاحة نيوتن عندما سقطت في المكان و الوقت الصحيحين ، كما أنه استطاع أن يربط بين التفاحة و الفيزياء ، أي شخص آخر كان ليأكلها قبل أن يفكر !
…
و هكذا يجب على هذه العوامل أن تتفاعل معا لتنتج الأفكار ، و هي كما تلاحظ ممكنة التوظيف من قبل أي إنسان ، فليست متعلقة بموهبة حباها الله لعدد قليل من عباده ، و إنما يمكن عدها بعضا من نعم الله علينا جميعا ، و هي لا تنطبق فقط على المبدعين من الفنانين ، و إنما أيضا على القادة و المهندسين و المعلمين و الإداريين و البائعين و العمال ، بل و على كل من قد يتعرض لمواقف تتطلب حلولا إبداعية ، و لكنه قد يفتقد الاستعداد و الانتباه و الفضول و المجهود اللازمين .
ابدأ الآن في تطوير هذه العوامل ، و سوف تجد أنك قد بدأت بالفعل في التفاعل مع العالم من حولك بشكل أفضل ، و في وقت قصير .
* المقال مستوحى من مجموعة قراءات
* اللوحة للفنان محمد حجي
هناك 20 تعليقًا:
تسلم يا استاذ احمد موضوع مفيد جداا والله تصدق عمرى ما فكرت افكارى بتيجى منين :)
عارف انى سمعت ان الجزء اللى بنستخدمه من مخنا 10 فى الميه بس منه
سبحان الله
انا كل ما اقول لأ هيا كذا و كذا
الاقى حضرتك كاتبها
يا سبحان الله بجد
لأ حلوة
اتفق جداً إنها مزيج من الصدفة و النتباه و الجهد
يعني لو مكانش عاوز الفكره مش هيعمل ليها و مش هيركز فى كل حاجة
اينعم الصدفة و الالهام بيجوا فجأة بس مبيجوش لواحد قاعد مأنتخ مسعاش انه يفهم الحاجة
لأ بجد جزاك الله خيراً على هذا المقال
فيه حاجات كدة بنبقى حاسينها بس مش عارفين نقولها
اصل انا كنت بفكر فى الموضوع دة من فترة كدة
وشدنى اسمه فجيت اقراه و فعلاً لقيت ما كنت بحث عنه تقريبا
دام سعيك و فكرك و قلمك
سلام عليك
تسلم ايدك ياباشمهندس
أجمل ما فى الموضوع هو الدعوة إلى اليقظة و تحمل مسؤلية الإبداع خلافاً لتعليقها على الصدف و العوامل الوراثية و الخارجية
نحتاج بالفعل إلى هذه اليقظة و تحمل المسؤلية
تسلم لنا ياباشمهندس
تدوينة جميلة :)
أنا مهتم جدا بالقراءة والدراسة عن الأفكار وطريقة حدوثها وتفاعلها .. بس مش مؤمن أوي بمدرسة الإلهام بدون مرحلة العمل اللي بتعمل بيها المدرسة التانية .. يعني شايف إن الإتنين مراحل بتحصل مش مجرد مدارس مختلفة ..
ثانيا حضرتك ذكرت كلام عن نجيب محفوظ في جزئية الدوام على العمل .. ممكن حضرتك تلقي ضوء أكتر على الجزئية دي ؟ أو تدلني على مصدر يكون فيه ذكر لتفصيل أفعاله اليومية ؟
تقبل خالص تقديري :)
برأيى الموهبة اولاً
فكلنا نرى برامج
التليفزيون مثلاً
ولكن قليل منا من
يكتب تعليقاً او نقداً
نقرأه لنهايته ونتفاعل معه!
ثم يأتى بعد هذا اليقظة لألتقاط
الاخبار أو المعارف المهمة أو التى ستثير
اهتمام من يقرأ لك !
تحليل حلو جدا فعلا
حقيقى ما نقدرش نحصر الافكار فى حاجه واحده من دول
لا موهبه بس ولا صدفه بس ولا قدره شخصيه بس
هى مزيج من كل ده
مزيج من القدرات الشخصيه وتوفيق ربنا
تحياتي لحضرتك
كعادتك دائما مبدع استاذنا العزيز
وموضوعاتك ذات مغزى ودلالة قوية
تسلم الايادى والافكار
تحياتى
قرآت مقالك جيدا ... لان السؤال الذي حاولت الاجابه عليه يحيرني جدا .... وطبعا اجابته تحيرني ردا علي تساؤل يخص تجربتي الشخصيه ... مالذي يدفعني للكتابه ؟؟؟ ولماذا احيانا انجح فيما اكتب ولماذا اتعثر بعض الاحيان فتهرب مني الفكره واطاردها فلا اقبض الا الريح !!! مالذي يدفعني للكتابه والحقيقه لقد ركنت علي تفسير ميتافيزيقي الا وهو ان " العفاريت " هي التي تكتب ، تلك التي تتلبسني في لحظه ما ، وتخرج من داخلي ماكنت لااظنه موجود ، نعم اراقب كثيرا ، نعم افكر كثيرا ، نعم يستغرقني الفضول ، نعم اعمل بدآب علي اي فكره ارغب في الكتابه عنها ، لكن اللحظه التي تتحدد للكتابه وتخرج الكلمات والفكره والمضمون هي لحظه غريبه لم افلح بعد في الامساك بقانونها ، عدا فكره العفريت ، تلك الفكره الساذجه الغامضه المريحه !!! في نفس اللحظه عندما اقرآ ماكتبت اتعجب كاني لست انا من كتبه رغم اني اعرفه جيدا !!! ايضا كثيرا مااشعر اني اثنين ... واحده تعيش والثانيه تراقب وتفكر وتكتب !!!
تحياتي ... ويشرفني زياراتك لمدوناتي ... اميره
السلام عليكم
زيارتك لى أسعدتنى يابشمهندس
وجعلتنى اعود الى هنا أتابع
دمت بإبداع تفجر بداخلنا الأفكار
ولاتحرمنا من زيارتك
تحياتى
الموضوع فعلا مفيد جدا
مدونة حضرتك رائعة..
تقبل مروري
تمام يا فندم فقد تأتى الافكار عن طريق الإلهام وقد تأتى عن طريق العمل وقد تكون نتيجة مزيج لكل منهما
تحياتى
هذه الفكرة أفكر فيها منذ فتره
يستوقفني بشده أكثر: التلحين
دونا عن أي فن أو إبداع آخر .. أقف حائرا أمام التلحين .. فهو في نظري أصعب أنواع الإبداع .. فالملحن يستحضر من العدم لحنا جديدا كل مرة لم يكن موجودا قبل ذلك .. هذه وجهة نظري الخاصة بالطبع
أما عن الكتابة .. فأنا أوافقك بشده في مصدري الأفكار اللذان ذكرتهما أنت في مقالك .. وإن كان الإلهام هو الأقرب للواقع منه للمصدر الآخر
تحياتي لهذه التدوينة أو المقالة الهامة
تسلسل طبيعي للأفكار يأتي من الإلهام أولا
بجد يسلم عقلك على إنتقاء كتباتك ومعلوماتك .... وفعلا عندك حق بكلامك ...انا مؤلفة روايات وفعلا زي مابتقول بالنسبه للأفكار والإلهام بس المشكلة فكل المفكريين والمبدعين صعوبة كتابتهم لأنها بتبقى حسب مودهم النفسي بس أجمل شئ وقت ما افكارك تحطها على الورق وتخرج قدامك من طابعة الكمبيورتر بجد
إحساس جميل بتحس انه طفل جديد اتولد وان ثمرة تعبك بقت واقع قدامك على فكرة بجد عجبني كلامك جدا تسلم ويسلم عقلك اتمنى تزور مدونتي غنت وكل الأصدقاء وتقولولي رأيكم ايه
@ سومه...مجنونه فى بلد عاقل
أنا كمان سمعت موضوع ال10% قبل كده كتير ، لكن مش عارف إن كان له أساس من الصحة ، أشكرك :)
@ نعكشة
و عليكم السلام ، ده يبقى توارد أفكار ، و أشكرك على تعليقك
@ أحمد عبد العدل
فعلا يا دكتور ، الرسالة هي إن الإبداع متاح للجميع ، تحياتي لك
@ كريم
أهلا بك في رحايا العمر :) كلامك سليم ، و أنا أتفق معك ، أما عن نجيب محفوظ فمن المعروف أنه كان يلزم نفسه بمواعيد يومية ثابتة للقراءة و الكتابة ، الكثيرين كتبوا عن هذا ، و انظر على سبيل المثال:
http://www.al-madina.com/node/185436
@ norahaty
أكيد الموهبة تصنع فارق ، و رأيي أنها لا تكفي وحدها ، تحياتي لك
@ صبرني يارب
أشكرك للغاية على التعليق ، تحياتي
@ همس الاحباب
شكرا يا خالد ، أعتقد أن هذا مقال عمل و ليس إلهام :)
@ اميرة بهي الدين
عجبتني جدا فكرة العفريت :) لم تخطر على بالي ، لكن فيما عدا هذا أتفق معك ، لحظة الكتابة خاصة جدا حتى لو حددت لها وقت معين ، و ما يكتب تصير له شخصيته الخاصة ، و قد يصبح مستقلا عندما نقرأه من جديد و لا نعرفه ! نورتي رحايا العمر يا أستاذة أميرة .
@ عاشقه الاقصى
و عليكم السلام و رحمة الله ، أشكرك ، و أتمنى دوام التواصل
@ إيناس حليم
أشكرك على التعليق ، و أهلا بك في رحايا العمر ، أتمنى أن نراك دائما
@ Dr Ibrahim
شكرا يا دكتور ، تحياتي لك
@ يا مراكبي
فعلا يا هندسة ، زمان كان يحيرني التأليف الموسيقي الذي لا يرتبط بأي كلمات ، و لكن يعتمد على تحويل الأفكار إلى ألحان فقط ، تحياتي لك
@ Sonnet
شكرا يا دكتور ، الإلهام كان في اختيار الموضوع فقط :)
@ أُنثى بقلب رجُل
أهلا بك في رحايا العمر ، و أشكرك على التعليق الجميل ، تحياتي لك و مبروك المدونة الجديدة
البقاء لله رب العالمين
بناءاً عما ــــنشر فى
جريدة اليوم السابع
إرسال تعليق