كنت أجلس منذ أيام قليلة مع صديقي الذي أسلم حديثا .
لم يكن الله قد أنعم عليه بنعمة أن يولد لأهل مسلمين ، و لا أن يتكلم أو يفهم اللغة العربية كأهلها ، و لا أن يتاح له أن يقرأ أو يسمع الكثير مما يرشده في طريقه و يذكره دائما ، و مع ذلك فقد أنعم الله عليه بنعمة البصيرة ، و القدرة على البحث عن الحقيقة .
الشهادة
كان قد قرأ خلال عدة سنوات عن الإسلام ، بل و دفعته الأسئلة ليبحث في دينه القديم عن إجابات ، لم يكن مجتمعه يرحب بهذا التحول ، و لكن هكذا استمر حتى وجد نفسه ينطق بالشهادتين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، و أشهد أن محمدا رسول الله .
سألت نفسي : و كيف "شهد" بالوحدانية لله تعالى و بالرسالة لمحمد صلى الله عليه و سلم و لم يرهما ؟ كيف توصل إلى هذه الحقيقة الغالية ؟ و كيف لا يتوصل بعض المسلمين إلى حقيقة هذه الشهادة ؟ و هل يمكن أن يصبح كل المسلمين أو جلهم على هذه الدرجة من الفهم و الاقتناع ؟
قدمت لنا زوجته الطعام ، لم تسلم بعد ، و لكن طعامها حل لنا .
الاتجاه المعاكس
استطاع صديقي بتوفيق من الله أن يتعلم أساسيات الإسلام ، يستطيع أيضا أن يقرأ القرآن ، و لكنه لا يفهم إلا الترجمة ، يقابل العديد من المسلمين ، و يتمنى أن يتواصل معهم بشكل أكبر ، و لكن تقف اللغة حاجزا ، و لذلك قرر أن يتعلم اللغة العربية بشكل كامل ، و لكن عليه أولا أن يخطط لهذا بما يحمله من سفر و وقت و مجهود و تكاليف .
ودعته قبل سفره بساعات ، و نزلت إلى الطريق ، أرى مصر مزدحمة ، الكثير من الناس يسيرون في اتجاه ، و في الناحية الأخرى أرى صديقي و غيره يسيرون في الاتجاه المعاكس . أم ترانا نحن الذين نسير في الاتجاه المعاكس ؟
متى نحل أزمة السير في بلادنا ؟ متى نتعلم الاتجاه الصحيح ؟ متى نحترم الإنسان و نصبح أصحاب حضارة من جديد ؟
ماذا سيكتب عني ؟
كنت أفكر فيما يفعله صديقي بعد عودته لبلاده ، ترى ما الانطباع الذي تركته و غيري من المسلمين لديه ؟ ترى لو جلس ليكتب مقالا يقول فيه :
كنت أجلس منذ أيام قليلة مع صديقي الذي ولد مسلما .
ترى ماذا سيكتب عني ؟ ترى ماذا يقال عنا الآن ؟
* اللوحة للفنان محمد حجي
* توفي إلى رحمة الله الدكتور مصطفى محمود صباح اليوم السبت 31 أكتوبر ، بعد ثلاثة أسابيع من موضوع مصطفى محمود و لغز الحياة . إنا لله و إنا إليه راجعون ، لم يتم تكريم الدكتور في حياته ، و أسأل الله تعالى أن يكون تكريمه في الفردوس الأعلى ، و أن نستثمر علمه بالشكل الأمثل ليكون صدقة جارية له بعد وفاته .