كنت أتحدث مع صديق لي عندما لاحظ أنني أتحدث بضيق ، و ربما بتوتر عن موضوع السفر إلى الخارج .
قال لي : أنا لا أفهم ، أتريد السفر أم البقاء ؟
قلت : أحيانا أريد السفر ، و لكنني أرى ضرورة البقاء .
قال : ماذا تقصد بضرورة البقاء ؟
قلت : لا أخفي عليك أنني اتخذت قرارا عند تخرجي من الجامعة ألا أقيم إقامة دائمة أو طويلة خارج هذا البلد ، و ذلك لإيماني أن الوضع المتدهور الذي وصلنا إليه إنما يتطلب مجهودات الجميع ، و أن الخروج بغير ضرورة إنما هو هروب من هذا الوضع ، كما أن لبلدنا ضريبة خدمته و بنائه .
قال : كلام جميل ، و لكن ليس كل السفر هروبا ..
قلت : موافق ، و لذلك قلت إلا في حالة الضرورة ، و أنا لست مضطرا ..
قال : إذا لماذا تريد السفر أحيانا ؟
قلت : لأن حلم الهروب لايزال يراودني ! إن الاختيار الأسهل هو أن أكون جزءا من منظومة ناجحة ، و أن أحيا حياة مريحة أنا و أسرتي ، و لن أكرر لك مشاكل بلدنا التي تعرفها جيدا و التي نشكو منها يوميا .
أطلقت بصري بعيدا و أكملت : و في المقابل أفكر دائما فيما أنجزت هنا في بلدي .. هل كان وجودي في هذا البلد جزءا من نجاحه ؟ أي نجاح !؟ هل استطعت خلال كل هذه السنين أن أحقق أيا من أحلامي التي تمنيت أن أكون جزءا منها لجعل هذا البلد مكانا أفضل لأبنائي ؟ هل مجرد وجودي هنا هو عامل بناء ، أم معول آخر للهدم ؟
أطرق صاحبي للحظات ثم قال : إسمع يا صديقي ، إن كنت تعتقد أنك مواطن صالح و شريف ، تعمل من أجل بناء هذا البلد ، و تربي أبناءك على قيم أصبحنا نفتقدها في مجتمعنا ، و تحاول أن تكون نموذجا لغيرك لإصلاح ما أفسده المفسدون ، و تستطيع أن تحتفظ بنقائك في وسط هذا الكم من الظلم و الفساد و العشوائية التي وصلنا إليه ، و الأهم أن تكون نيتك في هذا كله خالصة لوجه الله ، إن كنت هذا كله فوجودك في مصر إنما هو جهاد و إصلاح ، و كل نموذج خير موجود إنما يثبت و يقوي غيره من نماذج الخير يحميها من الإنحراف و الإنجراف ، و يعمل على أن يكون "خميرة" خير تعد بلدنا و الأجيال القادمة لتكون مصرنا أفضل . فلا تفقد إيمانك القديم أبدا .
قلت له : صدقت ، فما يزال بي حنين لمصر أفضل .
هل قرأت حنين للوطن ؟