"كانت خصلات شعري شديدة النعومة عميقة السواد ، و كان للقط شعر فضي أشيب يميل إلى الصفرة ، و قد أوقعني الفارق بين اللونين قي البحر فلم أفهم ، ليس سهلا على الجزء الطفل من سواد الليل أن يفهم حكمة البداية الأولى للفجر .. لابد أن يدخل الشعر الأسود دورة الويل و يتحول إلى البياض لكي يفهم .."
قرأت هذا الكتاب للكاتب المبدع أحمد بهجت منذ ما يزيد عن عشرين عاما ، كنت إنسانا آخر حينئذ ، لم أكن قد تعلمت شيئا بعد – باعتباري قد تعلمت الآن ! – و قد كان هذا الكتاب علامة في ثقافتي ، و عندما أراه في مكتبتي من وقتها و حتى اليوم لا أقاوم أن أتصفحه ، و أعدت قراءته كاملا مرات عديدة .
هذا الكتاب لا يقارن عندي إلا بالقصة الأسطورية الأمير الصغير ، فعلى قدر بساطة أحداثه و كلماته فهو ملئ بأفكار و أحاسيس لا يفهمها إلا من عاشها ، و هو كذلك يذكرني بقصائد ت. إس إليوت عن القطط !
و قد أتيح لي أن أقرأ هذا الكتاب و أنا طفل ساذج أيضا ، و أتعجب عندما أقرأه الآن من أن الأسئلة السهلة و المباشرة هي فقط ما نحصل عليه في رحلة العمر ، أما ألغاز الحياة و الموت و الحب و الألم و غيرها الكثير فتظل أسرار يعجز عن حلها الفلاسفة و الحكماء .
ما هي الخبرة ؟ هل هي مهارة التعامل مع الأشياء و الأشخاص؟ و ما هي الحكمة ؟ هل هي القدرة على إعادة صياغة الأسئلة بشكل معقد ؟ و من هم الكبار ؟ هل هم القادرون على الكسب و على التعامل مع غيرهم من "الكبار" ؟
"قال القط : الكذب هو ابن الإنسان .. من بين جميع المخلوقات التي خلقها الله فإن أشدها تغيرا تحت ضوء القمر هو الإنسان ، و التغير جزء من الكذب ..
قلت : تحابي جنسك من بني الحيوان .
قال : بل أقرر حقيقة .. لا يكذب الحيوان .. يتصرف بدهاء لكنه لا يكذب .. الكذب يحتاج إلى الإنسان .. إلى رقي الإنسان ."
لم يكن الكتاب مغامرات و حوارات ممتعة بين الطفل و القط فقط ، بل إختلطت فيه الحكايات مع الأساطير و الذكريات مع الفلسفة و الإيمان مع الحيرة بالإضافة إلى الكثير من الكوميديا ، فشكلت رحلة استكشاف لأفكار طفل برئ يرى العالم بعيون مندهشة و يكشف زيف كلام و أفعال الكبار و تناقضها مع المبادئ ، كما يفتح نافذة على معنى الفلسفة في عقول الصغار .
"غاظني القط .. و لكنه كان صادقا .. كنت أتبين داخل نفسي – و أنا أصلي – إحساسا بالانتهازية .. إنني أصلي تحت ضغط الحاجة .. تحت ضغط الغرق .. و من يدري هل أداوم على الصلاة بعد أن أنجو إلى البر ، أم أعاود مسيرتي في الجحود .."
من الأشياء الممتعة لي في الكتاب كذلك أنني كانت لي خبرات شخصية كثيرة و صداقات عميقة مع القطط ، و كنت أندهش لتوافق هذه الخبرات مع ما يذكره الكاتب ، و صدق قطه المثقف حين قال "لا تخون القطط إلا إذا جاعت ، و لا تغدر إلا إذا أحست بالخوف و انعدام الأمان" .
كلما تقدم بي العمر و أتيحت لي الفرصة لأتصفح هذا الكتاب الجميل من جديد تعذبني فكرة أنني لم أعد ذلك الطفل الساذج ، و لكنني أنتمي لعالم الكبار أكثر و أكثر .
"عذري أن شعري كان أسود و قلبي كان أبيض ..
حين انداح العذر و غرق ، و تحول الشعر إلى البياض و نضج ، كان القلب يستعير من الشعر نضج لونه الأسود .."
هناك 8 تعليقات:
عرضك للنقاط التي استوقفتك مثير للاهتمام لقدرة علي توصيل المعلومة بسلاسة
تحياتي
تعذبني فكرة أنني لم أعد ذلك الطفل الساذج ، و لكنني أنتمي لعالم الكبار أكثر و أكثر
----------------------------
ليه بتعذبك الفكرة دي؟؟
----------------------------
"عذري أن شعري كان أسود و قلبي كان أبيض .. حين انداح العذر و غرق ، و تحول الشعر إلى البياض و نضج ، كان القلب يستعير من الشعر نضج لونه الأسود .."
---------------------------
جملة قاسية في معانيها بس هل هيا صحيحه؟؟ بجد مع العمر بيضيع منا صفاء وبياض القلب
-----------------------
مش عارفة اكتب ايه بس كلمات كتابك بسيطه وعميقه في نفس الوقت شدتني ولفتت انتباهي وحبي للقطط ولطبيعتها جذبني لسطورك
بوست جميل بحييك عليه
سلامي ليك وكل الود
@ميس سوسة
أشكرك على التحية الجميلة . نورتي الرحايا
@توتا
مع مرور الوقت نفقد برغمنا و باختيارنا نقاء الطفولة و نتسلح بأسلحة الكبار ، حتى ننظر في المرآة في يوم من الأيام فلا نجد من الطفل القديم إلا ما حافظنا عليه ..
شكرا على كلماتك و زيارتك
إذا ما فقدنا قدرتنا على الإندهاش و حب الإستطلاع و التخيل ،فاننا لن نتمكن من إنجاز أو إضافة الجديد و اللإبتكار فى سائر المجالات ،كما أننا قد إعتدنا القول بأن الصدق منجى و أن الطريق المستقيم هو دئما أقصر الطرق ، و لكن فى زماننا الردىء قد يؤدى ذلك إلى حافة الهاوية ، فلا تكفى النوايا الحسنة حتى نبلغ ما نصبو إلية أو نصبح فى مأمن و لذلك علينا التمسك بأنصاف الحلول - و هى نصيحة قديمة من أحد الاصدقاء_ و قد جربتها ، لان الصدق و الحقيقة الكاملة قد تزعج و تصدم حتى أقرب الناس إليك الذين قد يحاولون نسيانها ، و هم بالتالى لن يغفروا لك إنك لم تفعل مثلهم و تنساها ، و أخيرا أقول إن العمر بالفعل لا يقاس بالسنوات ،و أنا قد قابلت أشخاصا تعدوا الستين من عمرهم و ربما أكثر ، و لكنهم لم يفقدوا يوما مرحهم و تفاؤلهمو براءتهم، و بالتالى تصبح صحبتهم متعة ،كما إنها تجعلنا نتخفف مما يواجهنا فى حياتنا المثقلة بلقلق و المشاكل التى لاتنتهى !
@ نهال
واضح من تعليقك إنك كبرتي .. :)
قد يجيد "الكبار" التعامل مع الناس ، و لكنهم كما قلت أنت سيظلون يستمتعون بصحبة "الأطفال" ، حتى من تعدى الستين منهم .
الحقيقة عرضك للكتاب جميل ما شاء الله. أنا بابحث عنه لكني لم أستطع حتى معرفة دار النشر، فهل ممكن إفادتي ..
لك جزيل الشكر
كنت بعمل سيرش عشان اشوف تعليقات عن الكتاب دا
بقرأه حالياَ
عججبني تعليقك
والكتاب فوق الرائع
:)
عشقت القطط من خلال هذا الكتاب
:-)
marmad: أنا آسف لم أر تعليقك إلا الآن!! لو كان الموضوع لسه مهم بالنسبة لك ، فالكتاب كان صادر عن الأهرام ، بالتحديد مركز الأهرام للترجمة والنشر..
أعقل مجنونة: نورتيني :))
إرسال تعليق