25 يناير 2009

قطعة مني

قطعة مني

حنين جارف يمر به ، يبعث الدفء في قلبه ، و يرهف إحساسه .

ظلت رؤية السماء من خلال أوراق الشجر تمثل له ذكرى طفولية رغم مرور الأعوام ، و رغم أنه يرى السماء و الأشجار كل يوم ، إلا أنه يعيش لحظات طفولة متكررة عندما يرى نور السماء يمزق أستار عتمة الأوراق المتراكمة .

مثل هذه الذكرى البسيطة مازالت تبعث فيه إحساسا بالدفء و الأمان ، فعندما كان يشعر بالخوف في طفولته ، عندما يتكاثف داخله و من حوله الخوف أو البرد أو الوحدة أو الظلام ، كان يتعمد وقتها أن يتذكر مشهد أوراق الشجر ، و هو ينظر من تحتها ، ليرى من خلال خضارها زرقة السماء و بياض السحاب ، فتبعث في نفسه دفء الشمس ، و جمال الشجر ، و أمان الضياء و الصحبة .

أسرار صغيرة

يحتفظ الإنسان بمثل هذه الذكريات البسيطة ليتحمل مرور السنوات ، و مرارة التجارب ، و يجدها تطفو على السطح عندما يغرق في المشاكل و المسئوليات ، فتمثل له مهربا و نجاة .

و لعل كل منا لديه أسرارا صغيرة يحتفظ بها لنفسه لتشعره بمتع نقية ، عاشها في طفولته ، أو حتى حلم بها ، فيعاودها من آن لآخر ، لتعاوده تلك المتع . فمن ينسى مثلا إحساسه الأول بحب بعض الآخرين له ، عندما اكتشفه في موقف أو كلمة ؟ و من ينسى حلم ساذج برئ راوده ، و عاش سنين يتخيله و يتمناه ؟

و تظل بعض هذه الأسرار قابعة في ثنايا الذاكرة ، بينما يضيع بعضها الآخر بالنسيان ، فلا يدري الإنسان أيها يفتقد : هذه التي يذكرها ، أم تلك التي نسيها ؟ و لكنه يعلم على أية حال أن كل منها يشكل قطعة منه .

و بقدر ما تعيد هذه الأسرار الإنسان لبداياته الأولى ، بقدر ما تشعره أنه أصبح شخصا آخر ، شخصا غريبا لا يجمعه بذلك الشخص الأصلي إلا - فقط - هذه الأسرار الصغيرة .

الجنوبي

أشعر بالرغبة في قراءة أول الجنوبي لأمل دنقل حيث يقول :

هل أنا كنت طفلاً

أم أن الذي كان طفلاً سواي

هذه الصورة العائلية

كان أبي جالساً، وأنا واقفُ .. تتدلى يداي

رفسة من فرس

تركت في جبيني شجاً، وعلَّمت القلب أن يحترس

أتذكر

سال دمي

أتذكر

مات أبي نازفاً

أتذكر

هذا الطريق إلى قبره

أتذكر

أختي الصغيرة ذات الربيعين

لا أتذكر حتى الطريق إلى قبرها

المنطمس

أو كان الصبي الصغير أنا ؟

أم ترى كان غيري ؟

أحدق

لكن تلك الملامح ذات العذوبة

لا تنتمي الآن لي

و العيون التي تترقرق بالطيبة

الآن لا تنتمي لي

صرتُ عني غريباً

ولم يتبق من السنوات الغربية

إلا صدى اسمي

وأسماء من أتذكرهم – فجأة –

بين أعمدة النعي

أولئك الغامضون : رفاق صباي

يقبلون من الصمت وجها فوجها

فيجتمع الشمل كل صباح

لكي نأتنس.

عجبي يزيد عندما أتذكر أنه كتب هذه الأبيات كإرهاصات احتضار ، و أقرأها كعلامة على حياة .

قطعة مني

عندما أتأمل طفلا صغيرا ، و هو يخطو خطواته الأولى في الحياة ، أشعر أنني أرى معجزة الحياة و الخلق تتكرر ، إن هذا وعي جديد يتشكل أمامي ، و تنبني معه أحلام جديدة ، و رؤى ، و منطلقات ، تمهد لفهم جديد مبني على نجاحات و إحباطات آتية في الحياة .

و هذا كله بدوره يشكل قطعة جديدة مني .

10 يناير 2009

اللحظة الفاصلة

تناولت القصص السابقة أحداثا ثابتة في تاريخنا ، شاء الله أن يحفظها لنا لكي توضح لنا سننه في الأمم ، و من معانيها :

1- لن تهبط معجزة من السماء تلبية لدعواتنا الحارة ، بل سيتحقق الوعد على أيدينا نحن ، أو على أيدي من سيستبدلنا الله بهم .

2- الثبات و الصبر يؤديان للنصر ، بغض النظر عن الظروف المحيطة .

3- تدور الدوائر دائما على المدبرين و المتخاذلين .

4- الصراع القائم عقائدي في الأساس ، و روح المقاومة هي المستهدفة .

5- الأغلبية الصامتة لا قيمة لها ، و لكن التخطيط و التنسيق أساس للنجاح .



و الآن تشبه اللحظة الراهنة ، بكل تجلياتها و مفارقاتها لحظة سقوط الأندلس ، أو بالتحديد لحظة سقوط آخر معاقل الإسلام هناك ، و لكن كيف كان هذا السقوط ؟

لحظة سقوط

لحظة سقوط انقسمت الدولة العظيمة إلى دويلات ، و إمارات ، و ممالك ، و برزت عصبية قبلية شديدة بين هذه الدويلات ، فثارت المشاكل و النزاعات بينها لأتفه الأسباب .

و تنافست الدويلات فيما بينها ، فكانوا ينفقون مقدراتهم على مظاهر الأبهة و العزة ، و عمد كل منهم إلى التحالف مع الأعداء للانتصار على بني دينه و جنسه ، و غلّبوا تنافسهم على مصالحهم ، فاستفاد الأعداء منهم في المجالات الاقتصادية ، و العلمية ، بل و في التنسيق الحربي أيضا .

و مما يدعو للعجب قيام الدويلات العربية الإسلامية بدعم أعدائهم اقتصاديا و سياسيا ، و تآمرهم على بعضهم البعض ، و تحاربهم ، و أنهم سهلوا لأعدائهم الحصول على حصون و مواقع لحماية الدويلات من بعضها البعض ، مما سهل للأعداء مهمة ابتلاعهم دويلة فأخرى .

و لم تتبق للعرب سوى راية وحيدة في الأندلس ، و لم تسقط هذه الراية لزمن طويل جدا ، إلا عندما جاءت الخيانة من داخلها ، فكان فريق من أهلها يعين المحتلين على دخولها ، ليتمكن الخونة من الإمساك بزمام الأمور بمعونة المحتل ! و تزامن هذا مع تخاذل جميع الدول الشقيقة لمملكة غرناطة .

...

من الجدير بالذكر أن الخونة لم يكن حظهم بأفضل ممن خانوا ، و أن الدائرة دارت على المتخاذلين جميعا ، و أن الخسارة الأساسية كانت عقائدية ، و لم تقم للإسلام دولة في الأندلس بعدها أبدا .

لا شك في أنها قصة عجيبة ، و لكنها للأسف تتكرر اليوم بحذافيرها ، فبلادنا ممزقة في دويلات ، بعضها محتل عسكريا ، و بعضها تابع صريح للأعداء ، تنتشر القواعد العسكرية الأجنبية لتحمي الأنظمة من بعضها ، و لتثبت العروش رغما عن الشعوب ، و تكبلنا اتفاقيات و معاهدات مع أعدائنا تكرس فرقتنا ، و نستثمر الأموال في الخارج ، و نتنافس و لا نتكامل !

لحظة صعود

لحظة صعود لم تكن لحظة سقوط الأندلس هي أحلك فترات التاريخ سوادا ، فلقد عاشت أمتنا فترة أخرى كانت أكثر سوادا .

قامت مختلف الدول الأوربية بمهاجمة بلادنا ، و احتلال أراضينا ، و كان العامل الحاسم و الأهم الذي أدى لنجاح الأعداء هو تفكك الأمة إلى دويلات متناحرة ، بالإضافة إلى انشغال العلماء بخلافات مذهبية في صغائر الأمور ، و غرق الحكام و المحكومون في غفلة الشهوات و الشبهات .

لقد كان سقوط القدس علامة على مدى ضعف و تشرذم المسلمين و العرب ، و مع ذلك بدأت الروح تدب في أوصال الأمة الضعيفة التي تمرض و لا تموت .

بدأ الأمر بصحوة فكرية تستلهم أفكار الإمام الغزالي و غيره من العلماء ، فأنشئت مدارس تربوية تهدف إلى إيجاد جيل جديد من العلماء و المربين الجادين ، و إحياء الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و الاهتمام بتهذيب النفوس و الترفع عن الشهوات ، و محاربة الخصومات المذهبية ، و ترك القضايا الخلافية التي تفتت الأمة ، و كان هذا كله تمهيدا لإفراز سياسيين و عسكريين على وعي بقضايا أمتهم .

و قد أثمرت هذه المدارس قادة في كل المجالات – و كان من بينهم صلاح الدين الأيوبي ، و بعدما كانت الرايات القومية هي محور التفاف الشعوب ، أصبحت الرايات المرفوعة تنتسب إلى الإسلام ، و تسمى الولاة عماد الدين ، و نور الدين ، و صلاح الدين ، و أسد الدين ، الخ .

و قد تجلت علامات الإصلاح في زهد هؤلاء القادة ، و نشر العدل ، و محاربة الظلم ، و حرية الرأي .

أما نتيجة هذا الصعود فهي معروفة للجميع من تألق مبهر جديد للأمة .

اللحظة الفاصلة

اللحظة الفاصلة و اليوم نقف في مفترق جديد للطرق ، و يتجدد الاختيار أمامنا ، ليكون ما يحدث و ما نعانيه جميعا هو لحظة سقوط فاصلة ، أو لحظة صعود جديدة .

و أقول أن اللحظة ستكون فاصلة لعدة اعتبارات :

1- لقد اجتمعت شعوب الأمة من أقصاها إلى أقصاها على اختيار المقاومة ، لما ثبت لها من تجارب عبر ما يقرب من قرن من الزمان .

2- وحد هذا الاختيار الأمة ، رغم تشرذم قادتها ، و لا تجتمع الأمة إلا على خير .

3- حرب غزة (معركة الفرقان) هي أول حرب تحت راية إسلامية في العصر الحديث كله .

4- حرب غزة هي اختبار هذا الجيل ، مثلما تمثلت اختبارات الأجيال السابقة في النكبة ، و النكسة ، و غيرها ، فلو سقطت غزة – لا قدر الله – فقد تجري علينا سنة الاستبدال كما جرت على من كانوا قبلنا .

أسئلة اللحظة

من خلال قراءة و سماع ردود أفعال عموم المسلمين في كل مكان على حرب غزة ، سنجد أن الأسئلة كلها تدور على المحاور التالية :

1- إحساس عام بالعجز ، و قلة الحيلة ، و أحيانا اليأس

2- ماذا نفعل لنصرة غزة ؟

3- هل العودة للدين و التمسك به هو المطلوب ؟ أم أن التركيز على التقدم الاقتصادي و العلمي يمثل حلا ؟

4- هل الحكومات على خطأ ؟ و هل يجب علينا الثورة ضدها ، و الانقلاب عليها ؟

و لا يمكن إجابة هذه التساؤلات إلا انطلاقا من قاعدتي : و أعدو لهم ما استطعتم من قوة ، و إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .

إن أبناء فلسطين هم أول صفوف الرباط ، و علينا نصرتهم ، مع العلم أن القضية تخصنا جميعا ، و أنهم لا ينوبون عنا في جهادهم ، فواجب كل منا نحو القضية هو بذل كل ما يستطيع ، و لن يتنزل نصر الله إلا إذا بذلنا كل المستطاع فعلا ، فمثلا إذا كان في حوزتي عشرة رصاصات ، و لم أضرب إلا خمسة ، فقد قصرت في أداء واجبي ، و هكذا ، كما أن التغيير لابد أن يكون جماعيا ، تشارك فيه كل الأمة رجالا و نساء و أطفالا ، كل بما يقدر عليه في موقعه ، و تغيير النفس يشمل تغيير الأفكار ، و القيم ، و الثقافات ، و الأولويات ، و الاتجاهات ، و العادات ، و التقاليد .



و لكن ..

ما هو دورك لتحديد ملامح اللحظة الحالية ؟

فيما يلي مفردات دور كل منا لخلق لحظة صعود ، و تفادي السقوط ، و هذه الواجبات يجب أن تؤدى بالتوازي ، و لا توجد عوائق لأدائها ، و سنسأل عنها أمام الله تعالى ، فعدم التزام الآخرين بها ليس مبررا على الإطلاق لتركها .

دورك هو :

1- إصلاح نفسك ، و زيادة إيمانك ، بما يشمله هذا من إقامة الصلاة ، و قراءة للقرآن ، و حتى الأمر بالمعروف ، و النهي عن المنكر ، و يمكن الرجوع لسورة الإسراء لدراسة منهجا كاملا للإصلاح .

2- نشر المفاهيم الصحيحة حول القضية ، و يمكن الرجوع لمدونة مهندس مصري حول هذا الموضوع ، كما يمكن قراءة هذا الكتاب الرائع .

3- استلهام نماذج التضحية الفلسطينية لإصلاح مجتمعنا ، فشغل الوقت بالقضية ، و بذل المال و الدم و راحة البال ثمن بسيط مقارنة بتقديم النفس و الولد كما نرى في فلسطين .

4- عليك أن تتبنى حملة لدعم فلسطين ماديا بين أفراد أسرتك ، و أقاربك ، و جيرانك ، و تذكرهم بواجبهم شهريا ، و تكون مسئولا عن أن يكون هذا الدعم مستمرا .

5- الدعاء المستمر ، و الشعور بأنك تحمل هذا الهم ، و تعمل من أجله .

6- محاربة المفاهيم السلبية مثل اليأس من التحرير ، فما فسد في سنوات لا يصلح في أيام .

7- كشف الخداع الإعلامي ، فالجهاد ضد المحتل ليس إرهابا ، و القضية ليست فلسطينية ، و هكذا .

8- تفعيل مقاطعة اقتصادية نفعية شاملة و دائمة لمنتجات أعدائنا .

9- توجيه الرسائل ، و التعبير عن موقفك بكل الطرق السلمية الممكنة ، لإرشاد الحكام و الضغط عليهم .

10- العمل على الإبداع و التفوق في مجالك ، و تذكر أنك على ثغر من الثغور ، فلا يؤتى الإسلام من قبلك .



بالله عليك اعمل بهذه الواجبات ، و انشرها ، إن كنت تظن أن بها خيرا ، و اترك النتائج لله سبحانه و تعالى .



اللهم قد بلغت ، اللهم فاشهد



* اللوحات للفنان محمد حجي

01 يناير 2009

مجموعة قصصية جديدة

القصة الأولى

الانتفاضة تآمرت القوى الإقليمية و الدولية ، و توافرت لديها الدوافع و الأسباب التي تجعلها تحارب حتى الدين و رموزه و مقدساته ، و اندفع أصحاب المصالح يدقون طبول الحرب .
في الوقت ذاته دب الضعف في الأمة ، تباعدت ، و تعادت ، و اقتتلت ، صارت المصالح القبلية هي الميزان ، و توجهت الدفة نحو الاقتتال الداخلي ، و رفضت القيادات اللجوء للخيارات الإستراتيجية السليمة .
تحركت جيوش الظلم مدفوعة بأحقاد و أطماع ، لم يكن يواجههم أي احتمال أن توقفهم أي من القوى العالمية ، كانوا يعلمون تماما أن الأمة ما هي إلا كيانا متهالكا لا يصمد أمام العدوان ، خاصا أن جيوش الظلم امتلكت أسباب البطش ، و كانت لديها أسلحة لا سبيل لمواجهتها ، عززت منها الحرب الإعلامية .
و برغم يقين أبناء الأمة بعظمة ما لديهم ، لم يحركوا ساكنا ، اختاروا أن يقفوا موقف الخضوع ، و علموا أنهم لا يملكون من أمرهم شيئا ، و لكن تعلقت أفئدتهم بالسماء ، في انتظار معجزة تنتشلهم مما هم فيه .
قبل أن يبدأ العدوان ، و ينطلق المحتل يعيث فسادا ، مر بزعماء القبائل القريبة – التي لابد أن يمر عليها أولا ، و تأكدت لديه ألا حياة لمن تنادي ، و تهاوت أمامه الرموز ليجد طريقه ممهدا .
و عندما وصل جيش أبرهة لمكة لم يجد مقاومة من البشر ، و لكن حدثت معجزة السماء ، و أمطرت عليه حجارة من سجيل فجعلته كعصف مأكول .
...
نرى ما يحدث أمامنا و نتعجب ، نتمنى أن تحدث المعجزة و يكون أعدائنا كأصحاب الفيل ، و ننسى أننا مسلمين ، و مكلفين بحماية أنفسنا و مقدساتنا ، و حرمة الدم الذي يراق الآن أعظم من حرمة الكعبة الشريفة .
و لكن هل ما زال بعضنا ينتظر هبوط الطير الأبابيل ؟

القصة الثانية

حصار غزة 3 كان المؤمنون على ثقة تامة ، و كان الله قد وعدهم إحدى الحسنيين .
كانت الجيوش تزحف من كل مكان ، و تواترت الأنباء عن النية المبيتة للقضاء على وجود هؤلاء المؤمنين .
قام العدو بالتنسيق مع كافة الأطراف التي يهمها أن تقضي على ذلك الخطر ، فقد باتت الأوضاع السائدة و الخطط المستقبلية المرسومة مهددة بالضياع إن لم تتخذ هذه الخطوة الآن .
كان اليهود بمكرهم المعتاد قد قاموا بكل ما يملكون من قدرات عسكرية و دبلوماسية لإنجاح خطتهم ، و كان الحسابات البشرية تحتم نجاحهم فيما يسعون فيه .
و في المقابل تمسك المؤمنون بدينهم و باختيارهم ، و رفضوا أن يسلموا الدين و الدنيا للمعتدين ، لقد كان عليهم أن يجاهدوا حتى و لو كان ذلك نبشا في الأرض بأظافرهم .
و برغم الإيمان ، فقد زلزلوا زلزالا شديدا من الهجوم الذي واجهوه ، فأعدائهم جاءوهم من فوقهم و من أسفل منهم ، فزاغت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر .
و في ظل هذه الأثناء الحرجة خرجت أصوات شركاء الأرض و المصير تقول نحمي أبنائنا و بيوتنا دونكم ، رغم ما بينهم جميعا من معاهدات ، و ينسون أن الدوائر ستدور عليهم إن هم تخلوا عن إخوانهم .
لقد كان ثبات المؤمنين من أسباب النصر في يوم الخندق ، فبرغم الحصار و تحالف القوى ضد المدينة ، فإن الله غالب على أمره ، و لكن أكثر الناس لا يعلمون .
...
انقسم المسلمون إلى فريقين في يوم الخندق ، و اليوم يتجدد الاختيار أمام كل منا .


القصة الثالثة
بدأ الأمر بتعصب ديني ، إن اليهود يرفضون ألا يكونوا شعب الله المختار .
و برغم ارتكابهم لكافة أنواع الآثام ، و برغم تاريخهم الأسود ، إلا أنهم يصرون على أنهم هم الأفضل ، و أن من غيرهم ما هم إلا أغيار ، أميين لا قيمة لدمائهم أو أموالهم أو أعراضهم .
لذلك أعلنوا أن دولتهم "يهودية" ، و لا يقبلون فيها أو لها ألا تكون إلا كذلك ، حتى و إن كان ذلك بالقوة ، بل إن ذلك لم يكن ليكون إلا بالقوة .
لم يتقبل رعاة دولة يهود أبناء أي دين جديد ، و عندما علموا أن هنالك من ينادي بالإيمان و بالإصلاح ، صارت قضيتهم عقائدية قبل أن تكون سياسية أو أمنية .
إن لك أن تتبنى أية قضية ، إن لك أن تشتغل بما تحب ، و لكن البحث عن ذاتية عقائدية و بعث الإيمان في الأمة من جديد هو أخطر ما يهدد الدولة الهشة القائمة على الظلم و الاغتصاب .
لذلك كانت الحرب الشعواء على رموز الإصلاح و الجهاد ، و ذلك بالاغتيال و التنكيل ، ثم امتد الأمر إلى كل من اعتنق هذا الاختيار ، إن مصيره هو الحصار و الحرق بالنار .
إن المطلوب ليس هزيمة أعدائهم ، و لكن المطلوب هو إقصاء معنى المقاومة ، بل و القضاء على كل من يتبنى فكر المقاومة و الإصلاح و الجهاد .
لقد قام أصحاب الأخدود بجريمتهم الشنعاء ، فحاصروا الرجال و النساء و الأطفال الذين آمنوا و أحرقوهم أحياء بالنار ، و لم ينصر المؤمنين أحد من أهل الأرض .
...
نرى ما يحدث أمامنا و لا نتخيل أن يكون مصير إخواننا المحاصرين كمؤمنين أصحاب الأخدود ، برغم أن هذا ما يحدث أمامنا بالفعل ، و نحن لا نملك إلا أن نندد بهذا ، و نتمنى ألا يطول الأمر كثيرا .

في الوقت ذاته ألا نخاف أن نكون من أصحاب الأخدود ؟



القصة الرابعة


عندما تحالفت قوى الشر و الظلام على المؤمنين ، كانت أهدافهم في الأساس تكريس الظلم و الفساد ، فلقد اعتادوا أن تسير الحياة على وتيرة واحدة .
لقد اخترعوا أصناما وضعوها أربابا للعباد ، و جعلوا أبناء الأمة يتلهى كل منهم بصنم ، و كانت التلهية هي أساس مكر الليل و النهار ، فبدونها ينتفض العباد ، و يرفضون ما يحدث حولهم و أمامهم من نظم مختلة ، و أساليب عقيمة لإدارة الدنيا ، تخول للملأ المستفيدين من الوضع استثماره و استمراره .
و في المقابل زاد إيمان المؤمنين ، و رغم تحذير السادة و الكبراء من إتباعهم ، راحت أعدادهم تتزايد ، و رغم خفوت صوت المقاومة وسط محيط الجهل و التضليل ، فقد فطن أهل الظلم أن في هذا النور الوليد القوة و القدرة على تغيير الأمة بأسرها .
و بالفعل كانت روح المقاومة تغير شيئا ما في نفوس المحيطين ، فلقد بدأ يظهر ضلال ما كانوا يظنون سابقا أنه الحق .
و لهذا كله كان القرار بالمحاصرة ، و المعاقبة ، و المقاطعة ، كان القرار بالتجويع حتى الموت ، و الويل لمن يعترض على هذا من المحيطين .
فكل صوت ينادي بفك الحصار و الرحمة هو صوت معادي ، له أهداف أخرى و لابد ، أهداف تسعى لزعزعة الأمن و الاستقرار الذي يسعى إليه القادة .
لقد كان فك حصار المؤمنين في شعب أبي طالب بأمر من الله ، و تحقق ذلك رغما عن الكفار عندما استطاع الناس أن يهبوا ليرفضوا الظلم الواقع على إخوانهم المحاصرين في الشعب .
...
و اليوم هل نملك لإخواننا المحاصرين دعما ، أم ليس لنا من الأمر شيئا ؟


ما أشبه الليلة بالبارحة ! و لكن الحقيقة أن ما يحدث اليوم يطابق بحذافيره قصة أخرى تماما ، أحكيها في المرة القادمة إن شاء الله تعالى ، هنا على رحايا العمر .

* اللوحات للفنان محمد حجي
تحديث : أصداء مجموعة قصصية جديدة : فلنحطم الأصنام على مدونة مجداوية